قضية توقيف زياد عيتاني في لبنان: التسريبات سيدة الموقف

28 نوفمبر 2017
سابقة بتسريب محتوى التحقيقات مع موقوف فور حصولها(فرانس برس)
+ الخط -

عدلت المديرية العامة لجهاز أمن الدولة في لبنان (أحد الأجهزة الأمنية العديدة والمتنافسة أحياناً فيما بينها) عن عقد مؤتمر صحافي لكشف ملابسات توقيف الممثل المسرحي زياد عيتاني، بعد 5 أيام على توقيفه، تُرك اللبنانيون خلالها، رهينة الروايات المُسربة التي تناقضت بشكل كبير. وبعدما تمّ تسريب خبر عن عقد مؤتمر صحافي لضباط "أمن الدولة" يشرحون فيه ملابسات توقيف عيتاني ونتائج التحقيق، تمّ "صرف النظر عن الموضوع حتى يأخذ التحقيق مجراه"، بحسب ما قالت المُتحدثة الإعلامية لأمن الدولة ريما صيرفي لـ"العربي الجديد".

التسريبات المتناقضة، لم تكن على قدر المسؤولية في التعامل مع قضية خطيرة من هذا النوع تتصل بالتخابر مع العدو، كما فتحت النقاش مجددا عن موقع الثقافة في التطبيع مع إسرائيل وضرورة مناهضته، وكان حريّاً بالأجهزة الأمنية اللبنانية أن تمنع هذه التسريبات، لأن القرار أولاً وأخيراً يجب أن يكون متروكاً للقضاء اللبناني.

بداية تناقض الروايات كانت مع بيان توقيف عيتاني، الذي أصدره الجهاز بعد يوم كامل على الواقعة وانتشار الخبر في مختلف الأوساط اللبنانية. قدّم البيان ما وصفه بأنه "بعض المهام التي كُلّف عيتاني بتنفيذها"، في صيغة تعتمد الإثارة، وهي غير مُعتادة في بيانات الأجهزة الأمنية الرسمية التي عادةً ما تكتفي بإصدار بيان مقتضب جداً عن عملية التوقيف مع ذكر العنوان العام للشبهة أو الجرم، إضافة إلى جملة "إحالة الموقوف إلى القضاء المختص لاستكمال التحقيق".

لم يترك ضباط الجهاز كثيراً لخيال اللبنانيين، مع تسريبهم اسمي "شخصيتين سياسيتين بارزتين طُلب من عيتاني تزويدهم بمعلومات موسعة عنهما"، وهما وزير الداخلية نهاد المشنوق، ووزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم مراد. كما كان لافتاً حصول عدد كبير من السياسيين والناشطين والصحافيين على تسجيلات صوتية من داخل غرفة التحقيق مع عيتاني، فُهم منها أن ضباط أمن الدولة سمحوا له باستخدام هاتفه للرد على الاتصالات وتطمين المتصلين به عن حاله. وأكد بعض من تلقوا التسجيلات أنهم حصلوا عليها من "مصدر في أمن الدولة" وليس من المتصلين بزياد. وهي سابقة يتم فيها تسريب محتوى التحقيقات مع موقوف فور حصولها. وقد عبّر عدد من المحامين والناشطين الحقوقيين عن استغرابهم الشديد لتلاوة محضر التحقيق الأولي مع عيتاني، على الهواء مباشرة خلال أحد البرامج التلفزيونية، "حتى قبل أن تصل هذه النسخة إلى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية". 


روايات تعديل الإفادة

في رواية التسريبات الأولى قال المحققون لبعض وسائل الإعلام المحلية إن "عيتاني اعترف بتلقي مبالغ مالية شهرية من ضابط في الموساد الإسرائيلي تدعى كوليت فيانفي، تراوحت بين 500 وألف دولار أميركي"، قبل أن تعود هذه الأجهزة وتنفي خبر المبالغ الشهرية بحجة أن "عيتاني تراجع عن إفادته الأولية التي قدّمها، وأنه لم يتلقّ منها أموالاً، بل عمل لحسابها مجاناً، بعدما ابتزّته بمقاطع صوتية توحي بعمالته"، قبل أن تتغير الرواية مُجدداً "ويكشف عيتاني أنّه تعرّض للابتزاز بفيديوهات جنسية تمكّنت المُشغّلة كوليت من الحصول عليها منه، بداية علاقتهما، عندما لم يكن يعلم أنها إسرائيلية". كما عدّلت الروايات المُتناقضة أهداف عيتاني من "التحضير لاغتيال وزير الداخلية نهاد المشنوق والوزير السابق عبد الرحيم مراد" إلى "التقرب من مستشاريهم".

ووصلت التناقضات إلى تركيا، مع اختلاف الروايات الأمنية المُسرّبة عن سبب زيارة عيتاني إلى إسطنبول قبل شهرين. وقالت إحدى الروايات المنقولة عن ضباط الأمن العام أن "عيتاني التقى كوليت في إسطنبول وتلقى منها مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي"، ثم قالت أخرى إن "عيتاني التقى مساعدة كوليت فقط، ولم يتلقّ منها أي مبلغ مالي".

وجمع بعض اللبنانيين الذي نقلوا التسريبات تفاصيل الروايتين معاً، وتم إنتاج روايات مُختلقة عديدة كانت حسابات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام مسرحاً لها. لكنّ أياً من تلك الروايات لم يتفوّق على نشر إحدى الصحف المحلية لصورة الممثلة الإسرائيلية غال غادوت، على أنها "ضابط الموساد الإسرائيلي كوليت فيانفي التي جنّدت زياد عيتاني". ورغم أن التسريبات المتناقضة من إفادة عيتاني كشفت ندرة المعلومات الجديّة في الملف، استغلّ مُغردون واقعة توقيف عيتاني لاتهام مجموعة من الصحافيين والكُتّاب المُعارضين للحزب بـ"العمالة لإسرائيل"، وبأنهم جزء من "نواة الخلية التي تم تكليف الموقوف بتشكيلها في لبنان لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين"، التي ذكرها بيان الأمن العام.

ينتظر أن ينتقل الملف قريباً إلى جهاز آخر هو شعبة المعلومات المعروفة في لبنان على أنها أكثر الأجهزة الأمنية تخصصاً وحرفية في ملفات أمنية حساسة، منها ملف الجاسوسية والعمالة. وهناك، في شعبة المعلومات، حيث يفترض أن يختتم الملف ويتضح مساره، إما الإحالة إلى القضاء المختص في حال إثبات التهم، أو إخلاء السبيل في حال كان الملف فارغاً.

دلالات
المساهمون