قضية المرايحي تفجّر غضب سجناء الرأي في تونس

02 فبراير 2015
فتحت مسألة المرايحي أبواب الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّلت قضية ضابط الأمن التونسي، كمال المرايحي، الملقّب بـ"شقيف"، إلى قضية رأي عام في تونس، في صدمة هزّت البلاد، لكون الموضوع متعلّقاً بالتعذيب في السجون التونسية، إبان فترة حكم الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي. وكان "شقيف" معروفاً لدى كل من مارس التعذيب بحقهم في عهد بن علي، كما كان مشهوراً بقسوته وتفننه في عمليات التعذيب.

بدأ كل شيء، حين بثت قناة "الحوار" التونسية، مقتطفات دعائية تمهيدية لمقابلة منتظرة مع المرايحي، لم تتجاوز الدقيقة الواحدة، دفعت النيابة العمومية التونسية، إلى دعوة القناة إلى عدم بثّ البرنامج، أو الجزء المتعلق منه بالتعذيب.

كما دفعت "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري"، إلى دعوة القناة إلى عدم بث الجزء المتعلق باستضافة المرايحي. وتحرّكت "هيئة الحقيقة والكرامة" أيضاً في اتجاه دعوة المرايحي للمثول أمامها وتقديم شهادته، وفقاً لما أفاد به عضو الهيئة، خالد الكريشي، مع العلم بأن الهيئة، المسؤولة عن العدالة الانتقالية في تونس، بدأت عملها الفعلي في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتلقّت حوالى أربعة آلاف شكوى تتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان. وسيُعجّل طرح موضوع التعذيب في السجون التونسية الآن في عمل الهيئة، ضماناً لحقوق الضحايا.

وفي السياق نفسه، أفاد رئيس "الرابطة التونسية لقدماء مساجين الرأي"، محمد فتاتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "ما تم عرضه وقاحة واستفزاز لمشاعره ومشاعر من قضوا سنوات تحت التعذيب فى السجون التونسية، كما ينمّ عن عدم احترام لذكرى أشخاص قُتلوا تحت التعذيب".

وأضاف "أنا كسجين سياسي سابق، ولمدة خمس سنوات، أطلب من هيئة الحقيقة والكرامة، الاسراع في فتح ملفات التعذيب". وأبدى دهشته أن "من عجائب الدهر، أن من قام بالتعذيب ينعم بالحرية، ويشارك في برامج تلفزيونية حتى لعرض تجاربه المقززة". وطالب بـ"محاسبة من مارس التعذيب، وفقاُ لآليات قانونية من دون تشفٍّ أو انتقام، رغم أن من مورس التعذيب بحقهم ما يزالون يحملون آثاره النفسية والجسدية، لكنه لن يكون مدعاة للانتقام".

أما عن أساليب التعذيب التي مورست عليه وعلى باقي السجناء، فكانت لا تُحصى ولا تُعدّ، ومنها "وضع الدجاجة المصلية، والإيهام بالغرق، والتركيز على الأعضاء التناسلية، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى استعمال أفراد العائلة وممارسة التعذيب عليهم، من أجل إضعاف المسجون نفسياً" .

من جهته، رأى الأمين العام لـ"المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب"، منذر الشارني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما جرى ويجري من تعذيب، وصمة عار على جبين الدولة التونسية". وأضاف أن "حضور ضابط أمن في برنامج تلفزيوني، لاستعراض تجربته في التعذيب، دلالة على أن الإفلات من العقاب والمحاسبة على جرائم التعذيب، لا يزيد الدولة التونسية إلا خجلاً عما حصل ويحصل". والمطلوب برأيه، "الإسراع في محاسبة كل من مارس التعذيب، وعرض تجاربهم حتى، من أجل الاعتبار منها، ليفهم المواطن كل ما جرى".

واعتبر أن "وعي المجتمع لا يشكل بالمنع، بل بعمل متكامل يضمن حقوق المتضررين، ويعاقب المخطئين لنتمكن من مواجهة الأخطار المستقبلية في هذا المجال وعدم تكرار تجارب التعذيب مجدداً". وختم "لم أفهم إلى حدّ الآن ما قامت به الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، بمنعها عرض شهادة ضابط الأمن الذي اعترف بالقيام بعمليات تعذيب، فدور الهيئة تعديلي، ويتم بعد البث، لا بالرقابة المسبقة".

وفي ردّ على الشارني، كشف رئيس "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري"، النوري اللجمي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "الهيئة لم تتخذ قرارها إلا بعد أن تمّ عرض جزء من البرنامج المتعلق بالتعذيب، وكذلك تم نشره على الموقع الإلكتروني لقناة الحوار. وقرار المنع يتعلق بما تمّ بثه فقط، أي الجزء المتعلق بالتعذيب لا منع الحصة كاملة". وأشار إلى أنه استخدم صلاحياته كرئيس للهيئة "وفقاً لما ينص عليه الفصل 30 من المرسوم 116". أما عن أسباب المنع فيرى أنه "تمّ خشية من التداعيات الخطيرة التي من الممكن أن تنجم عنها لو عُرضت". 

وتُعتبر محاسبة الجناة والضرر للضحايا، معادلة أساسية في موضوع التعذيب، الذي عاد ليطفو إلى سطح الأحداث في تونس. أما المسألة الأهم، فمتعلقة بإعادة تأهيل المتضررين من التعذيب، التي يعمل عليها المجتمع المدني التونسي، خصوصاً معهد "نبراس"، الذي يتولى إدارته السياسي والحقوقي، فتحي التوزري، من خلال بعث "معهد تونس لتأهيل الناجين من التعذيب". وهو معهد يعد فريداً من نوعه في العالم العربي، ويقوم بالرعاية النفسية والإحاطة الاجتماعية للناجين من التعذيب وعائلاتهم، بغية إعادة دمجهم في المجتمع، من خلال تخليصهم من الآثار النفسية.

دلالات
المساهمون