قضية الأنبار والموقف العربي

21 مايو 2015
+ الخط -
استطاعت قوى تنظيم الدولة الإسلامية التفوق في التخطيط والتنفيذ في مجمل معاركها في الأراضي العراقية، بدءاً من معركة الموصل في يونيو/حزيران 2014، وانتهاء بمعركة الرمادي وما حولها، مروراً بمعارك بيجي وحديثة وهيت وحزام بغداد وغيرها. وقد تقدم نفوذ قوات هذا التنظيم، وهيمنت على ثلث مساحة العراق حالياً، واقترابها، بشكل لافت، إلى محيط بغداد، ثم سيطرت، بشكل كامل تقريباً، على محافظتي نينوى والأنبار اللتين تمثلان ثقلاً جيوسياسيّاً للعراق، وبوابة حدوده الشمالية والغربية والجنوبية مع تركيا وسورية والأردن والسعودية، فبلغ القلق الرسمي العراقي حد التوتر وفقدان السيطرة على الموقفين، العسكري والأمني، وحتى السياسي، فلم تجد حكومة حيدر العبادي سوى الحليف الفعلي والعقائدي المخلص، إيران، والحليف الاستراتيجي القوي، الولايات المتحدة، لتستنجد بهما رسمياً. وبناءً على مصالح هاتين الدولتين، تفاعلت قيادات رسمية سياسية وعسكرية، بسرعة، مع الأحداث التي أفرزتها عملية سيطرة تنظيم الدولة على الرمادي، وفرار الجيش العراقي منها بشكل لافت ومخزٍ، فكانت زيارة وزير الدفاع الإيراني بغداد، ثم تصريح مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، إن بلاده مستعدة للتدخل ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حال طلبت الحكومة العراقية رسمياً ذلك، أما واشنطن فأرسلت قائد القيادة الوسطى للقوات الأميركية، الجنرال لويد أوستن، ليلتقي العبادي ووزير دفاعه، خالد العبيدي، ويعرض مساعدة بلاده في تقديم الدعم الجوي الكامل لطرد تنظيم الدولة من الرمادي . 
وأفرزت (إنجازات) تنظيم الدولة على الأرض في محافظة الأنبار مواقف رسمية وغير رسمية، محلية وأميركية، بضرورة إدخال قوات (الحشد الشعبي) قوة ضاربة لمحاربة قوات تنظيم الدولة، باعتبارها قوة (عقائدية) ولامتلاكها أسلحة نوعية وحديثة، لا يمتلكها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية (!). واستغلالاً للفرصة، اشترط قادة الحشد أن تكون مشاركتهم في عمليات الرمادي وسواها بموافقة وتفويض من مجلس النواب، وهو مطلب يتقاطع وموقف أهالي الأنبار من (الحشد الشعبي)، كما يتجاهل هذا القرار فظائع ارتكبتها المليشيات التي يتشكل منها هذا التنظيم الموالي، في أغلبية مليشياته، لإيران، في تكريت وديالى، وسواهما من المدن التي تمت له السيطرة عليها.
 
هناك أمور غريبة تجري في العراق، أطرافها الرئيسة الآن، الولايات المتحدة وإيران والحشد الشعبي وتنظيم الدولة الإسلامية، والقوى السياسية الموجودة في حكم العراق رسمياً، إضافة إلى إدارة إقليم كردستان العراق، بشكل أو بآخر. ولعل، من اللافت، أن لا يكون للعرب موقف مما يجري في هذا البلد المحوري والمهم جداً، استراتيجياً وتعبوياً، على المستوى الإقليمي، فهل يتجاهل العرب المشهد العراقي؟ وهل قرروا تركه غنيمة لواشنطن وطهران، يتفاهمون فيه على توزيع مصالحهم أو يختلفون عليها؟ ثم أليس للعرب، وعرب الإقليم على أقل تقدير أن يستغلوا الفرصة، فيكون لهم وجود وفعل في تداعيات المشهد العراقي؟
أسئلة كثيرة يمكن أن يثيرها موضوع العراق وتدهور أوضاعه، ثم إن تغافل العرب عن استثمار هذا التدهور لصالح تأمين مستقبل بلادهم ومستقبل المنطقة يعني القبول بالأمر، وكأنه قدر يجب القبول بخيره وشره، فيما تضع طهران كل ثقلها، للحفاظ على النظام القائم والموالي لها فيه، أولاً، ثم التمدد فيه، من أجل وأد أي محاولة لإرجاع العراق إلى ما كان عليه، قوة عربية رئيسية مهمة، تناكف، بشكل متوازن، المشاريع الإيرانية وسواها في الإقليم.
قادة الدول العربية التي نجحت في تشكيل قوة "عاصفة الحزم"، بالشكل الذي أبهر كثيرين، تنظيماً وبأسا، يجب أن يفكروا جديا في أن يطرحوا نفسهم قوة مهمة وفاعلة، يمكن أن تساعد العراق في محاربة تنظيم الدولة. نعم، ألا يمل الحكم في بغداد من ترديد ترحيبه "بأي مساعدة وسلاح يأتينا من أي طرف"، ولا أطراف هنا سوى إيران، أولاً، ثم الدعم الجوي الأميركي ثانياً.
إذا أردنا أن ندخل العراق من بوابة تنظيم الدولة الإسلامية، كما تفعل طهران، يجب أن نفكّر جدياً في تقديم هذا العرض المدروس جيداً، ليكّون العرب رقماً رئيساً وصعباً في المعادلة العراقية، ثم ليحدّوا من ذرائع الحكومة العراقية، بشأن الحاجة لقوى تمنع تنظيم الدولة من وصول بغداد والسيطرة عليها، بعد تمكّنه من المناطق المحيطة بها، كما (وهو الأهم) ستشكل عروض عربية من هذا النوع عناصر قوة ودعم للقوى العراقية المناهضة للمشروع الإيراني، وستكون امتداداً طبيعياً للقوى العربية على الأرض.
وبغض النظر عن مواقف بعض دول الإقليم، خصوصاً في مجلس التعاون الخليجي، بشأن أسلوب التعامل مع الملف العراقي، لأسباب عديدة، فإن أمام العرب خيار رئيسي واحد للتعامل مع العراق، في هذه المرحلة الحساسة جداً، يتمثل في توحيد المواقف، ثم التقدم، رسميّاً، للحكومة العراقية بعرض المساعدة العسكرية لمحاربة تنظيم الدولة، ولإيقاف غير العرب من التدخل في الشأن العربي، على أن تكون هناك قيادة عمليات مشتركة مقرها بغداد، لأن بغداد عاصمة العرب، ولا يجب أن يتركها العرب لتكون عاصمة الإمبراطورية الإيرانية المزعومة.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن