04 نوفمبر 2024
قضايا اللاجئين والقصور الأوروبي
لم تعد معاناة أوروبا الخاصة بقضايا اللاجئين الذين اتخذوا منها موطناً بديلاً لهم عن أوطانهم، فاستقروا فيها، هي ذاتها هذه الأيام، فقد تبدلت الهموم المرافقة لهذه القضايا، من قبيل الاندماج وموضوع الهوية وغيرها، التي طالماً شغلت أوروبا نتيجة تدفق اللاجئين إليها، بعد نيل الدول العربية وغيرها من الدول التي رزحت تحت نير الاستعمار الأوروبي، قبل الحرب العالمية الثانية، استقلالها، وظهرت هموم جديدة تراكمت فوق القديمة. فمع موجات الهجرة غير الشرعية، عبر البحر المتوسط التي تُغرق أوروبا، وتزداد وتيرتها يومياً وتضاعفت مع انضمام السوريين والفلسطينيين للأفارقة، وأبناء المغرب العربي الذين درجوا منذ زمن طويل على اللجوء إلى أوروبا، عبر مراكب صغيرة، سميت مراكب الموت، لكثرة حوادث الغرق التي تتعرض لها في عرض البحر. وبدأت أوروبا تبحث عن حلول لهذه المشكلة-المأساة، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها قاصرة، ولا تقارب الحل الجذري المفترض بها إيجاده.
على الرغم من أن العالم قد اعتاد على غرق مراكب المهاجرين في عرض البحر المتوسط، فإن مأساة غرق المركب الذي كان يقل ما بين 700 و900 مهاجر، يوم 19 من إبريل/نيسان الجاري، قبالة ليبيا وغرقهم معه، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر إنسانية أوروبا بسبب عدد الضحايا الكبير، ما جعل وزراء خارجية الدول الأوروبية وداخليتها يجتمعون في لوكسمبورغ في اليوم التالي للحادثة، حيث خرجوا بخطة من عشر نقاط لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. لكن، ومهما كان من أمر هذه الخطة وتشعباتها، فلا يمكن سوى استنتاج أنها تهدف، وبعبارة واحدة، إلى "تحصين أوروبا ضد الهجرة غير الشرعية"، وإقفال أبوابها بوجه فقراء هذا العالم ومظلوميه، الذين ساهمت هي، بطريقة أو بأخرى، بإيصالهم إلى ما هم عليه من فقر وظلم.
فلا شك أن لأوروبا، من قريب أو من بعيد، يداً في المآسي التي تعيشها البلدان المصدرة موجات الهجرة. فهي، وبسبب تاريخها الاستعماري الطويل الذي سيطرت خلاله على دول كثيرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حرمت تلك الدول من ثرواتها، وأوقفت تطورها. وحين نالت تلك الدول استقلالها، وجدت أن اقتصادها ملحق بنيوياً بالاقتصاد الأوروبي الذي يتحكم به عن بعد، ويمنع تقدمه، سوى لخدمة المصالح الأوروبية. علاوة على تنصيبها أنظمة استبدادية كثيرة، ورعايتها ودعمها، في كبح رغبات شعوبها في الحرية والتنمية. كما أن جريمة خلق الكيان الصهيوني في فلسطين في العام 1948، وما سببه من تشتيت لأبناء الشعب الفلسطيني، ومن نزاعات وعدم استقرار للمنطقة العربية برمتها، ما تزال مستمرة. ولا يبدو أن حلاً مرتقباً للنزاع العربي الصهيوني يلوح في الأفق، ما يعني أن المشكلات التي أوجدها الكيان ستبقى ماثلة للعقود المقبلة، وسيترتب عليها موجات من الهجرة، ستكون وجهتها بالطبع أوروبا.
ولا شك أيضاً في أن الدور الذي لعبته أوروبا الغربية عبر انخراطها مع الولايات المتحدة، في محاربة الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، والذي كان أحد عوامل انهيار تلك الكتلة، بداية تسعينيات القرن الماضي، وتفكك دولها، ثم انهيارها اقتصادياً.. لا شك في أن ذلك الدور انعكس سلباً على دول أوروبا الغربية التي أخذت تتحمل تكاليف إعادة هيكلة اقتصاديات تلك الدول على شاكلة اقتصاداتها، أي اقتصاد السوق الرأسمالي الحر، الأمرالذي نجم عنه وجود جيوش من العاطلين، لم تجد من سبيل إلى لقمة العيش سوى في الهجرة إلى الدول الأوروبية الغربية، سهّل لها ذلك انضمام دولها إلى الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تحمّل الدول الغربية عبئاً اقتصادياً كبيراً، كانت في غنى عنه. ويكفي أن نعلم أن دولة مثل إيطاليا، يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة، تستضيف حالياً على أراضيها جالية رومانية، يقدر عدد أفرادها بأكثر من 5 ملايين، تتمتع بكل ما يتمتع به المواطنون الإيطاليون من امتيازات في التعليم والطبابة والعمل، لنعرف حجم ما تعانيه الدول الغربية من دفع أكلاف إضافية، نتجت من ضلوعها في تقويض الكتلة الاشتراكية الواقعة على حدودها الشرقية.
يتبين من خطة العشر نقاط الخاصة بمواجهة الهجرة غير الشرعية أن الحكومات الغربية تدفع الكثير لمعالجة المشكلات التي تواجهها في العالم، بدلاً من دفعها القليل لمعالجة مسبباتها. فالخطة الحالية التي تتطلب تكاليف خيالية، وليس بناء أسوار على الشواطئ الأوروبية، لمنع المهاجرين من الدخول إلى البر الأوروبي سوى دليل على حجم تلك التكاليف. وهو ما يتطلب منها البحث عن طرق أخرى لمعالجة هذه المشكلة. طرق تتطلب تفعيل دور أوروبا في مكافحة الفقر في دول العالم الثالث، وزيادة مخصصات التعليم والطبابة، وحض الحكومات على إجراء إصلاحات تخفف من الفساد الذي يوصل جميع تلك البلدان إلى حد الفقر، وينقلها، في مراحل لاحقة، إلى حواف حروب أهلية. كذلك تتطلب اضطلاع أوروبا بدور جديد ومختلف، لحل النزاعات من جهة. ومن جهة ثانية، المساهمة في زيادة الحريات والتنمية والاستثمار في الدول التي تعتبر مصدراً لهذه الهجرات، خصوصاً أنه لم يعد الهدف من الوصول إلى أوروبا هو تأمين حياة أفضل، كما كان سابقاً، بل لضمان الهاربين من الحروب والصراعات، وبقائهم على قيد الحياة.
من المؤكد أنه لا توجد رغبة لدى أوروبا في إيجاد الحلول لهذه الكارثة الإنسانية، وفق الرؤية السابقة، إلا أنه، وعلى الرغم من خطة النقاط العشر، وتوجه أوروبا إلى منع وصول المهاجرين إلى أراضيها بأي طريقة، فإن الكوارث المتلاحقة في البحر المتوسط، ووصول أوروبا، في مراحل لاحقة، إلى حد التخمة من عدد المهاجرين واحتمال وصولها حد العجز عن تلبية متطلباتهم الحياتية، وتبعات اندماجهم الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من المتطلبات، قد تجبر الأوروبيين على إعادة التفكير بطرق أخرى للحد من الهجرة، انطلاقاً من بلدان المصدر.
على الرغم من أن العالم قد اعتاد على غرق مراكب المهاجرين في عرض البحر المتوسط، فإن مأساة غرق المركب الذي كان يقل ما بين 700 و900 مهاجر، يوم 19 من إبريل/نيسان الجاري، قبالة ليبيا وغرقهم معه، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر إنسانية أوروبا بسبب عدد الضحايا الكبير، ما جعل وزراء خارجية الدول الأوروبية وداخليتها يجتمعون في لوكسمبورغ في اليوم التالي للحادثة، حيث خرجوا بخطة من عشر نقاط لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. لكن، ومهما كان من أمر هذه الخطة وتشعباتها، فلا يمكن سوى استنتاج أنها تهدف، وبعبارة واحدة، إلى "تحصين أوروبا ضد الهجرة غير الشرعية"، وإقفال أبوابها بوجه فقراء هذا العالم ومظلوميه، الذين ساهمت هي، بطريقة أو بأخرى، بإيصالهم إلى ما هم عليه من فقر وظلم.
فلا شك أن لأوروبا، من قريب أو من بعيد، يداً في المآسي التي تعيشها البلدان المصدرة موجات الهجرة. فهي، وبسبب تاريخها الاستعماري الطويل الذي سيطرت خلاله على دول كثيرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حرمت تلك الدول من ثرواتها، وأوقفت تطورها. وحين نالت تلك الدول استقلالها، وجدت أن اقتصادها ملحق بنيوياً بالاقتصاد الأوروبي الذي يتحكم به عن بعد، ويمنع تقدمه، سوى لخدمة المصالح الأوروبية. علاوة على تنصيبها أنظمة استبدادية كثيرة، ورعايتها ودعمها، في كبح رغبات شعوبها في الحرية والتنمية. كما أن جريمة خلق الكيان الصهيوني في فلسطين في العام 1948، وما سببه من تشتيت لأبناء الشعب الفلسطيني، ومن نزاعات وعدم استقرار للمنطقة العربية برمتها، ما تزال مستمرة. ولا يبدو أن حلاً مرتقباً للنزاع العربي الصهيوني يلوح في الأفق، ما يعني أن المشكلات التي أوجدها الكيان ستبقى ماثلة للعقود المقبلة، وسيترتب عليها موجات من الهجرة، ستكون وجهتها بالطبع أوروبا.
ولا شك أيضاً في أن الدور الذي لعبته أوروبا الغربية عبر انخراطها مع الولايات المتحدة، في محاربة الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، والذي كان أحد عوامل انهيار تلك الكتلة، بداية تسعينيات القرن الماضي، وتفكك دولها، ثم انهيارها اقتصادياً.. لا شك في أن ذلك الدور انعكس سلباً على دول أوروبا الغربية التي أخذت تتحمل تكاليف إعادة هيكلة اقتصاديات تلك الدول على شاكلة اقتصاداتها، أي اقتصاد السوق الرأسمالي الحر، الأمرالذي نجم عنه وجود جيوش من العاطلين، لم تجد من سبيل إلى لقمة العيش سوى في الهجرة إلى الدول الأوروبية الغربية، سهّل لها ذلك انضمام دولها إلى الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تحمّل الدول الغربية عبئاً اقتصادياً كبيراً، كانت في غنى عنه. ويكفي أن نعلم أن دولة مثل إيطاليا، يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة، تستضيف حالياً على أراضيها جالية رومانية، يقدر عدد أفرادها بأكثر من 5 ملايين، تتمتع بكل ما يتمتع به المواطنون الإيطاليون من امتيازات في التعليم والطبابة والعمل، لنعرف حجم ما تعانيه الدول الغربية من دفع أكلاف إضافية، نتجت من ضلوعها في تقويض الكتلة الاشتراكية الواقعة على حدودها الشرقية.
يتبين من خطة العشر نقاط الخاصة بمواجهة الهجرة غير الشرعية أن الحكومات الغربية تدفع الكثير لمعالجة المشكلات التي تواجهها في العالم، بدلاً من دفعها القليل لمعالجة مسبباتها. فالخطة الحالية التي تتطلب تكاليف خيالية، وليس بناء أسوار على الشواطئ الأوروبية، لمنع المهاجرين من الدخول إلى البر الأوروبي سوى دليل على حجم تلك التكاليف. وهو ما يتطلب منها البحث عن طرق أخرى لمعالجة هذه المشكلة. طرق تتطلب تفعيل دور أوروبا في مكافحة الفقر في دول العالم الثالث، وزيادة مخصصات التعليم والطبابة، وحض الحكومات على إجراء إصلاحات تخفف من الفساد الذي يوصل جميع تلك البلدان إلى حد الفقر، وينقلها، في مراحل لاحقة، إلى حواف حروب أهلية. كذلك تتطلب اضطلاع أوروبا بدور جديد ومختلف، لحل النزاعات من جهة. ومن جهة ثانية، المساهمة في زيادة الحريات والتنمية والاستثمار في الدول التي تعتبر مصدراً لهذه الهجرات، خصوصاً أنه لم يعد الهدف من الوصول إلى أوروبا هو تأمين حياة أفضل، كما كان سابقاً، بل لضمان الهاربين من الحروب والصراعات، وبقائهم على قيد الحياة.
من المؤكد أنه لا توجد رغبة لدى أوروبا في إيجاد الحلول لهذه الكارثة الإنسانية، وفق الرؤية السابقة، إلا أنه، وعلى الرغم من خطة النقاط العشر، وتوجه أوروبا إلى منع وصول المهاجرين إلى أراضيها بأي طريقة، فإن الكوارث المتلاحقة في البحر المتوسط، ووصول أوروبا، في مراحل لاحقة، إلى حد التخمة من عدد المهاجرين واحتمال وصولها حد العجز عن تلبية متطلباتهم الحياتية، وتبعات اندماجهم الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من المتطلبات، قد تجبر الأوروبيين على إعادة التفكير بطرق أخرى للحد من الهجرة، انطلاقاً من بلدان المصدر.