قصيدتان

22 مارس 2016
كلود مونيه في عمل انطباعي له(ويكيبيديا)
+ الخط -
ينتمي الشاعر المغربي إلى الجيل الشعري الجديد، الذي يعرف بجيل التسعينيات الشعري، وهو وإن كان تأخر في إصدار كتاب شعري له، لأسباب تتعلق بدورة النشر وبنيته، فإنه عاد ليصدر عمله الشعري "حانة المحو" خلال السنة الفارطة، واضعا اسمه ضمن مدونة الشعر المغربي الحديث، ومنضما إلى كوكبة الشعراء المغاربة التي لا تزال تحلق حتى الآن.


في مديح المنافي

(1)

أَيَّتُهَا الصَّحْرَاءُ جَسَدِي الَّذِي تَبْصُقُهُ الْمَتَاهَاتُ
هَا أَنَذَا أَصْفَعُ الرَّمْلَ بِتِيهِ الْقَوَافِلِ
الْمَدَى بِنَظْرَةِ النُّسُورِ
الْمَسَالِكَ الْحَزِينَةَ بِإِيقَاعِ ضَحَكَاتٍ
تَشْمَتُ فِي تَفَاهَةِ الْحَيَاةِ
الْكُثْبَانَ الظَّلِيلَةَ بِصَهْدِ الظَّهِيرَةِ
بِعَطَشٍ أَمِينٍ عَلَى رِعَايَةِ الْأَحْرَاشِ
الْمَضَارِبَ الَّتِي تُطَارِدُ أَنْفَاسَ الطَّوَارِقِ
وَتَنَامُ عَلَى خِيَانَةِ الْحَنِينِ
وَلي
رَحِيلٌ يَتَشَبَّثُ بِطُرُقٍ زَاهِدَةٍ فِي الْخَطْوِ
عُزْلَةٌ مَيْمُونَةٌ تَقْتَفِي أسْلَافِيَ فِي التِّيهِ
الَّذِينَ كَتَبُوا تَارِيخَ الْمَنْفَى بِيَقِينِ الْغُرْبَةِ
وَأَنِينِ الْعِيسِ
الَّذِينَ يَمَّمُوا أَحْلَامَهُمْ جِهَةَ الرِّيحِ
وَسَكَنُوا بُيُوتَ الْمَنَافِي مُدَجَّجِينَ بوَابِلِ الْوَجَعِ
يَقُودُهُمْ مِسْكُ الْمَاءِ إِلَى جُرْحِ الْوَاحَاتِ
لِي
أَيَّتُهَا الصَّحْرَاءُ نَشِيدٌ يَقْرَعُ طُبُولَ الْمَسَافَاتِ
يُقَبِّلُ جَبِينَ الرُّعَاةِ الْعَابِقِينَ بِغِبْطَةِ النَّايَاتِ
الْعَائِدِينَ مِنْ أَقْصَى الْوَحْشَةِ
(2)
أَيَتُهَا الْأَرْضُ قَبْرِيَ الْآتِي بِلَا رَيْبٍ
أَمْهِلٍينِي قَلِيلاً
كَيْ أُرَتِّبَ ذِكْرَيَاتِي عَلَى رُفُوفِ الْبَيَاضِ
وَأُوَّزِّعَ مَا تَبَقَّى مِنْ حَنِينٍ عَلَى أَصْدِقَائِي
أَصْدِقَائِيَ الَّذِينَ سَيَحْفَظُونَ ظِلِّي قُرْبَ النَّهْرِ
وَيَرْعَوْنَ جُنُونَ خُطُوَاتٍ ضَيَّعْتُهَا جِزَافاً مِنْ أَجْلِ الْعَدَمِ
وَيَسْهَرُونَ مَعِي نِكَايَةً فِي اللَّيْلِ
يَحْرُسُونَ أَوْجَاعَ النَّدَمِ بِمَا يَكْفِي مِنَ الرِّعَايَةِ
كَيْ أَنْصُبَ فِخَاخَ الْأَسَفِ لِحَيَاةٍ غَايَةٍ فِي الْمَكِيدَةِ
أَقُارِعَ حُشَاشَةَ الخَيْبَةِ بِابْتِسَامَةٍ تُضَمِّدُ نَزِيفَ الْآتِي
وَأُوَدِّعَ طُفُولَةَ الْوَرْدِ الَّتِي تَنَامُ فِي مِزْهَرِيَّةِ النِّسْيَانِ
وَأُرَوِّضَ الْبَيْتَ الْقَدِيمِ عَلَى حِرَاسَةِ الذِّكْرَيَاتِ
أَيَّتُهَا الْأَرْضُ
يَا خَيْمَةَ الْعُبُورِ
هِيَ ذِي الْأَيَادِي تُلَوِّحُ بِمَنَادِيلِ الْفَرَاغِ
تَقْرَأ كِتَابَ الصَّحْرَاءْ بِعُيُونِ الْعَطَشِ
تُبَايِعُ وَحْشَةً لِصَمْتِ الْمَسَاءِ
وَتَتِيهُ فِي سُؤَالِ الْخَلَاءِ
(3)
أَيُّهَا الْمَاءُ خُذْنِي إِلَى مَسْقِطِ الْخُضْرَةِ
الْجَسَدُ تَحْتَلُّهُ جَحَافِلُ الْعَطَشِ
الْمَدَى تُزَنِّرُهُ قَوَافِلُ الْمَغِيبِ
وَالطَّرِيقُ إِلَى الْجَبَلِ مَحْفُوفَةٌ بِعَوِيلِ الْمَنَافِي
وَأَنَا الْوَحيدُ
أَنْفُخُ نَايَ الْحَنِينِ
فَتَشْتَعِلُ فِي الْأَقَاصِي مَصَابِيحُ الشَّجَنِ
وَتَبْكِي فِي أَقْفَاصِ الرُّوحِ عَصَافِيرُ الْبَدَنِ
وَتَهْدِرُ فِي غُرْبَةِ الشَّرَايِينِ عَوَاصِفُ النَّزِيفِ
وَيَأْتِي إِلَيَّ قَطِيعُ الْجُرْحِ يَجُرُّ ذُيُولَ النَّصْرِ
أُقِيمُ عُرْسَ الْمَزَامِيرِ فِي مَتَاهَاتِ الْخُلْوَةِ
أُصَادِقُ آيَائِلَ غُرْبَتِي
وَأَسْكُنُ مَدِيحَ الْمَنَافِي
(4)
أَيُّهَا التِّيهُ
يَا صَدِيقَ الْغُرَبَاءِ
فِي مَسَالِكَ ضَئِيلَةِ الْخُطُوَاتِ
عَالِيَةِ الْوَحْشَةِ
كُنْ لِي غَيْمَ الْحَيَاةِ
الْجِرَارُ مَلْأى بِعَطَشِ الْمَاءِ
وَالْأَرْضُ نَدِيمَةُ الْجُرُوحِ
السَّمَاءُ حَلِيفَةُ الْعَتَمَاتِ
وأنَا الَّذِي ضَمَّخَ حَدَائِقَ الْيَأْسِ
بِهَوَاجِسِ الْأَمَلِ
أَتَمَلَّى مَدَايَ
فَتَلْبَسُنِي مَدَائِحُ الْغُرْبَةِ بِنَشِيدِ الْمَآتِمِ
وَتُوَارِي شَمُوسَ الصَّحْوِ خَلْفَ الْعَتَمَات
غَيْرَ أَنِّي أَتَشَبَّثُ بِقِنْدِيلِ أَحْلَامِي


الْحَدَائِقُ نَامَتْ صَدِيقَتِي



الْحَدَائِقُ نَامَتْ صَدِيقَتِي
الْغِنَاءُ بَاتَ يَتَسَوَّلُ نَايَ الْغُرَبَاءِ
الْجَذَلَ سَفَحُوا دَمَهُ عَلَى مَقَاصِلِ الْخَرَابِ
الْأَشْجَارُ بَاعَتْ ظِلَالَهَا لِلْمِنْشَارِ
الْأَنْهَارُ اخْتَارَتْ طَرِيقَ الصَّحْرَاءِ
الِعَصَافِيرُ انْتَحَلَتْ قِنَاعَ الْغُرَابِ
الْيَمَامَاتُ أَفْرَغَتْ أَحْشَاءَهَا مِنَ الْهَدِيلِ
الْبَجَعَاتُ يَمَّمْنَ صَوْبَ بُحَيْرَات الْغِيَابِ
النَّوَارِسُ طَوَّعْنَ السَّاحِلَ عَلَى طَاعَةِ الْحَنِينِ
الْبَحْرُ الْتَحَفَ الرَّمَلَ وَغَادَرَ حُضْنَ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ
حَاضِناً عُرْيَ الغُثَاءِ
الْغَيْمُ حَشَدَ جُنُودَ الْوَحَلِ
وَتَرَكَ السَّمَاءَ تَئِنُّ مِنْ فَرْطِ الْغَرَق
الْغَرَابِينُ تَهْدِلُ بِنَشِيدِ الْمَكِيدَةِ
وَتُغَرِّدُ صَبَاحَ الضَّغِينَةِ
الْقَصَبُ خَانَ نَوَايَا الرَّاعِي فِي الْحَنينِ
الرَّاعِي تَحَالَفَ مَعَ الذِّئَابِ نِكَايَةً فِي الْقَطِيعِ
الْقَطِيعُ تَزَوَّدَ بِمَا يَكْفِي مِنَ الطَّعَنَاتِ
وَنَامَ يَحْلُمُ بِشُمُوسِ الْجُغْرَافِيَا
وَأَهِلَّةِ التَّارِيخِ
الْكِلَابُ أَوْدَعَتْ رَصِيدَهَا مِنَ النُّبَاحِ فِي خَزِينَةِ الصَّمْتِ
وَرَكِبَتِ الْقَافِلَةَ
الْقَافِلَةُ حَالَفَهَا يَقِينُ التِّرْحَالِ
وَتَاهَتْ فِي أَحْرَاشِ التِّيهِ
النَّهَارُ اسْتَطَابَ ظُلْمَتَهُ
وَخَرَجَ عَارِياً يُغَنِّي فَضِيحَتَهُ
اللَّيْلُ اسْتَشَاطَ غَضَباً مِنْ الْقَمَرِ
الْقَمَرُ بَاعَ ضَوْءَهُ مَجَّاناً
وَصَادَقَ طَرِيقَ الْخَيْبَةِ
الْخَيْبَةُ أَوَّلُ
وَآخِرُ رَصَاصَةٍ تُطْلَقُ فِي وَجْهِ الْحَيَاةِ
وَهَذَا طَرِيقِي يَشْهَقُ بِدَهْشَةِ الْعَتَمَةِ
يُرَوِّضُ خَطْوَ الْغَرِيبِ
يَتْلُو سِيرَةَ غُزَاةٍ أَلِفُوا صَمْتَ الْصَّهِيلِ
كُتُبَ الْمُؤَرِّخِينَ الْكَذَبَةِ
نَذَالَةَ الْخَوَنَةِ الَّذِينَ سَرِقُوا الأمَلَ
وَتُحَيِّي نَخْوَةَ الرِّجَالِ الَّذِينَ طَرَدُوا اللَّيْلَ
مِنْ سَمَاءِ الْفُقَرَاءِ
وَزَرَعُوا الصُّبْحَ فِي قَتَامَةِ الْقُنُوطِ
تُدَوِّنُ صَبْرَ النِّسَاْءِ الضَّارِبَ فِي الْوَفَاءِ
الطَّافِحَ بِمَحَبَّةِ الشُّهَدَاءِ
الْأَمِينَ عَلَى زُهْدِ الْبُيُوتِ
وَفَرَحِ الْقَنَادِيلِ
وَمَقَامِي

رَحِيلٌ فِي ضَيْقِ الْحَالِ
نَدِيمُ كُؤُوسِ الْمُحَالِ
رَفِيقُ الظِّلَالِ فِي عِزِّ الْخَرِيفِ
وَنَشْوَةِ الْفَرَاغِ فِي غَيْبُوبَةِ الامْتِلَاءِ
....................................
....................................
....................................
الْحَدَائِقُ نَامَتْ صَدِيقَتِي
لِي فِي هَذَا الْمَدَى سَنَابِلُ اللَّهِ
رَغِيفُ الْأُمَّهَاتِ حِينَ يَجِفُّ ثَدِيُ الْسَّمَاءِ
دِفْءُ الْمَحَبَّةِ حِينَ يَطَالُ الْقُلُوبَ جَلِيدُ الْأَرْضِ
بَلَاغَةُ الْبَوْحِ حِينَ تُصَابُ الْحَيَاةُ بِعَتَهِ الْقَوْلِ
لِي عَصَافِيرُ تُخَبِّرُنِي أَنَّ الشِّتَاءَ قَادِمٌ
أَنَّ الرَّبِيعَ رَجُلٌ صَالِحٌ يَرعَى الْأَمَلِ
وَسُلَالَةٌ تَعْتَنِي بِالرِّيحِ فِي مَهَبِّهَا
وَتَنْبُذُ تَحِيَّةَ الْأَصِيلِ فِي نَقَاهَةِ الْمَغِيب
لِي فَيَالِقُ الْيَنَابِيعِ أَحْشُدُهَا فِي وَجْهِ الظَّمَأِ
لٍي حُصُونُ الْوَرْدِ رَايَاتٌ حِينَ يَشْتَدُّ الْعَطَنُ
لِي مَزِيدٌ مِنَ الْوَقْتِ لِأُرَتِّبَ الْحَدَائِقَ صَدِيقَتِي
وَأَعْتَنِي جَيِّداً بِنَخِيلِ الْبِلَادِ....
بِخَطَاطِيفِ الشِّتَاءِ فِي سَمَاءِ الْعَشِيرَةِ
وَبِقُبَّرَاتِ الظِّلَالِ عَلَى شَجَرِ الأَمْدَاءِ
لِي قَلِيلٌ مِنَ حِكْمَةِ الْيَمَامِ
وَجَدَارَةِ الزَّيْتُونِ
وَغُنْجِ السِّنْدِيَانِ فِي الْأَعَالِي
وَلِي كَثِيرٌ مِنَ الرِّهَانِ كَيْ أربَحَ
خَيْبَاتٍ بِحَجْمِ سُيُولَةِ الْحُرُوبِ
وَمَكَائِدِ الْحَيَاة
وَأَكْنِزَ ذَخَائِرَ مِنْ غَيْمَاتٍ
..............................
.............................
.............................
الْحَدَائِقُ نَامَتْ صَدِيقَتِي
الْيَدُ الَّتِي كَانَتْ تُدَفِّئ الْبَابَ
طَالَهَا الْغِيَابُ
الْوَجْهُ الَّذِي كَانَ يُضِيءُ دَهَالِيزَ الْعَتَمَاتِ
انْطَفَأَ فِي النِّسْيَانِ
الشُّمُوعُ الَّتِي كَانَتْ تُؤْنِسُ وَحْشَةَ الْجُدْرَانِ
ذَابَتْ فِي الْحِكَايَةِ
وَاجْتَاحَتْهَا تَجَاعِيدُ الذُّبُولِ
الْأَنْفَاسُ الَّتِي كَانَتْ تُعَطِّرُ سَكِينَةَ الْغُرَفِ
دَاهَمَتْهَا بُرُودَةُ الْأَعْطَابِ
الْأُصُصُ الَّتِي تَسْهَرُ فِي الشُّرُفَاتِ
لَمْ تَعدْ تَحْرِسُ الْقَمَرَ مِنْ عُوَّاءِ الذِّئَابِ
الْبِلَادُ الَّتِي أُحِبُّ تَكْرَهُ النَّشِيدَ
وَتُبَارِكُ مَآتِمَ النَّدَمِ
المساهمون