وكان كريس ليمونز يغوص على عمق 100 متر تحت سطح الماء، عندما انقطع الكابل السميك الذي يربطه بالسفينة فوقه ويمثل بالنسبة له حبل الحياة السري، لأنه يحمل الطاقة والاتصال والحرارة والهواء إلى بدلة الغوص الخاصة به. كما أن ضياعه بمثابة فقدان الطريق إلى السفينة والضياع في المحيط وسط الظلام المدقع، وفق ما أوضح موقع "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي).
وهوى ليمونز فجأة إلى قاع بحر الشمال، ولم تكن إمدادات الأوكسجين على ظهره تكفي لأكثر من 6 أو 7 دقائق. وكان يعرف أن فرصه بالنجاة معدومة تقريباً، إلا أنه صمد ليروي قصة انقطاعه عن التنفس لمدة 30 دقيقة تقريباً، لتتحول إلى فيلم وثائقي عنوانه "Last Breath" (النفس الأخير) الذي يعرض حالياً في دور السينما.
Facebook Post |
وكان ليمونز جزءاً من فريق الغوص الذي يثبت أنابيب النفط، في حقل هنتنغتون للنفط على بعد 127 ميلاً شرق مدينة أبردين، على الساحل الشرقي لإسكتلندا. وغاص في الماء مع زميليه دايف يُواسا ودنكن ألكوك، في 18 سبتمبر/ أيلول عام 2012، ليقوموا بأعمال إصلاح في الأعماق.
وتستخدم سفن الغطس عادة أنظمة الملاحة التي يتحكم بها عبر الكمبيوتر، والتي تعرف باسم "نظام تحديد المواقع الديناميكي"، لمساعدتها في البقاء فوق موقع الغطس عند وجود غواصين في الماء، وهو ما تعطل في سفينة "بيبي توباز" Bibby Topaz في ذلك اليوم، مما أدى إلى انجرافها بسرعة عن مسارها.
Facebook Post |
وأطلقت أجهزة الإنذار بواسطة نظام اتصالات مع الغواصين الـ 3، وقطع الكابل الذي يربط ليمونز بالسفينة، ثم سحب بعيداً عن زميليه في قاع المحيط، وهناك تمكن بأعجوبة من العودة بشكل مستقيم إلى بئر النفط التي كان يعمل على هيكلها المعدني وسط الظلام الدامس، وتسلقها على أمل النجاة. وقال لـ "بي بي سي": "اتخذت قراراً بالمحافظة على هدوئي، وعلى كمية الأوكسجين القليلة التي على ظهري".
ولا يمكن للجسم البشري تحمل انقطاع الأوكسجين إلا بضع دقائق، قبل أن تبدأ الخلايا بالموت، وتتناقص الإشارات الكهربائية التي تشغل الخلايا العصبية في المخ، ثم تتوقف نهائياً، إلا أن معدل استهلاك الأوكسجين المتاح يتناسب طردًا مع معدل الأيض الذي يرتفع في حالات الذعر، وفقاً لما قاله مايك تبتون، رئيس مختبرات دراسة البيئات المتطرفة في جامعة "بورتسماوث" في المملكة المتحدة.
واستغرق الأمر حوالي 30 دقيقة، قبل أن يتمكن طاقم السفينة من إعادتها إلى الموقع الصحيح، وعندما وصل يُواسا إلى ليمونز تحت الماء كان جسده ساكناً ولون وجهه أزرق، إلا أنه استيقظ بأعجوبة عندما أجرى له ألكوك تنفساً صناعياً عبر الفم.
ويبدو أن الماء البارد على عمق 100 متر في بحر الشمال، والذي تقل حرارته عن 3 درجات مئوية، ساهم في تبريد جسم ليمونز وعقله بسرعة، بعد انفصاله عن الكابل الذي كان يساهم في تدفئته، مما أدى إلى انخفاض معدل أيضه، وبالتالي انخفاض معدل استهلاكه للأوكسجين. وأوضح تبتون: "إذا خُفضت درجة حرارة المخ بشكل سريع بمقدار 10 درجات، ينخفض معدل الأيض بمقدار النصف تقريباً، وتزيد مدة البقاء على قيد الحياة من دون أوكسجين".
كما أشار تبتون إلى أن الغاز المضغوط الذي يتنفسه الغواصون ربما منح بدوره ليمونز فرصة إضافية، إذ إن تنفس الأوكسجين تحت الضغط، يجعله يتحلل في مجرى الدم، وبالتالي يعطي الجسم احتياطياً إضافياً للاعتماد عليه، في حين وجد باحثون في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا أن أجساد الغواصين تتكيف بعد مرور وقت طويل على ممارسة الغوص مع البيئة القاسية التي يعملون فيها، من خلال تغيير النشاط الجيني لخلايا الدم الحمراء التي تتباطأ في تنقل الأوكسجين لديهم.
Facebook Post |