قصة حروب يمنية تعقبها حوارات

15 يونيو 2015
لم تكن الحرب الأخيرة استثناء في المشهد اليمني(فرانس برس)
+ الخط -

السياسي اليمني المخضرم عبدالكريم الإرياني، الذي تردد اسمه كأحد المشاركين المحتملين في حوار جنيف، له مقولة شهيرة تعطي لمشاركته في الحوار، إن حصلت، أهمية قصوى، مفادها أن "اليمنيين إما أن يتحاوروا أو يتحاربوا".

وتعود بداية هذه الظاهرة اليمنية "حوارات تعقبها حروب" إلى عقد الستينيات من القرن الماضي، حين شهد اليمن حرباً أهلية استمرت سبع سنوات تخللتها مؤتمرات حوار سياسية وقبلية في حرض وخمر وصنعاء وتعز وغيرها. وكان يستفاد من كل مؤتمر لتحويله إلى هدنة أو استراحة محاربين ليس إلا، ثم يتم استئناف المواجهات، وهكذا.
أما في عقد السبعينيات، وعلى الرغم من الاستقرار النسبي لليمن، فقد شهدت بعض سنواته حوارات عديدة كانت في كل مرة تنتهي باتفاقات ثم صدامات مسلحة إما بين دولتي الشمال والجنوب أو داخل الشمال بدعم من الجنوب والعكس، وكان أخطرها حرب المناطق الوسطى بين المتمردين الاشتراكيين ضد صنعاء وانتهى تمردهم نهائياً بإشراكهم في أول مؤتمر يمني للحوار في عهد صالح في عام 1982.

اقرأ أيضاً: الحوثيون يعطلون مؤتمر جنيف

عندما لم تعد الظاهرة تجد من يدعمها في الشطر الشمالي من اليمن تم تصديرها إلى الجنوب عن طريق الراحل جورج حبش، ونايف حواتمة، اللذين تبنيا حواراً يمنياً اشتراكياً حزبياً بين أجنحة يمنية جنوبية متصارعة. وبدأ ذلك الحوار في منتصف عقد الثمانينيات، وعلى وجه التحديد في منتصف 1985، بين أنصار الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، الذي كان عبدربه منصور هادي واحداً منهم، وأنصار نائب الرئيس في ذاك الحين، علي عنتر الذي ينتمي للضالع، في حين ينتمي علي ناصر وهادي إلى أبين. انتهى الحوار الحزبي الداخلي وقتها باتفاق سرعان مع تحول إلى انفجار شامل في 13 يناير/كانون الثاني 1986، وارتكبت مجازر شارك فيها الطرفان وسقط فيها آلاف الضحايا من الجانبين، وقتل علي عنتر الضالعي، كما قتل مئات العسكريين من الضالع. ولكن الحرب انتهت في نهاية المطاف بنزوح ناصر محمد وهادي مع آلاف العسكريين من أبناء محافظة أبين، فاحتضنهم الرئيس الشمالي علي عبدالله صالح وقريبه القوي علي محسن الأحمر. يومها تمّ استيعاب الجميع في الجيش حسب رتبهم وخبراتهم، باستثناء الرئيس علي ناصر محمد الذي لم يجدوا له موقعاً يتناسب مع موقعه السابق. وكان هدف صالح ومحسن هو الاستفادة من نصف الجيش الجنوبي الهارب في مرحلة لاحقة كانا يخططان لها ونفذاها في عقد التسعينيات.

بعد إعلان الوحدة اليمنية في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي بدأت القوى السياسية اليمنية حواراً طويلاً بدأ عام 1993 استمر حتى أوائل 1994، أنتج تفاهماً تاريخياً "وثيقة العهد والاتفاق". الوثيقة كانت بمثابة دستور جديد لبناء يمن جديد، وجرت مراسم التوقيع عليها في الأردن بإشراف الملك الراحل حسين بن طلال. لكن ما إن حان تطبيق أول سطر فيها، اندلعت حرب طاحنة بين فريقين رئيسيين من أطراف التوقيع على الوثيقة، انتهت باجتياح عدن، كبرى مدن الجنوب وعاصمته قبل الوحدة مع الشمال.

وعند اجتياح عدن ظن كثيرون خارج اليمن ولا يزالون أنها حرب شمالية جنوبية، في حين أنها كانت حرباً بين قوى متصارعة على السلطة، لا هي شمالية خالصة ولا هي جنوبية خالصة. وما يؤكد ذلك أن القائد الميداني لاجتياح عدن، وزير دفاع صالح أثناء الحرب كان الضابط الجنوبي عبدربه منصور هادي، وإلى جانبه حوالى ستين ألف عسكري جنوبي من الفارين إلى الشمال جراء صراع الثمانينيات.
وعلى الجانب الآخر كان هناك آلاف الشماليين يشاركون في محاولات الدفاع عن عدن من الغزو الآتي من جهة الشمال.
ومعظم الجنوبيين الذين هاجموا عدن ينتمون إلى محافظة أبين مسقط رأس هادي. أما الجنوبيون الذين استبسلوا في الدفاع عن عدن فكان جلهم وأكثرهم حماسة للدفاع عنها من المنتمين لمحافظة الضالع.
وبعد الحرب كوفئ هادي بمنصب نائب الرئيس، الأمر الذي فتح أمامه الطريق لرئاسة اليمن في ما بعد. وخلال الأزمة الحالية كانت مدينة الضالع وما جاورها أول مدينة جنوبية تنجح "المقاومة الجنوبية" في تحريرها، إلا أن هادي لم يغامر بالعودة إليها، ليس خشية من الحوثيين أو المخلوع الذي أصبحت الضالع عصية عليهم، لكن على ما يبدو خوفاً من سكان الضالع أنفسهم من الذين ما زالوا يتذكرون ضحاياهم في حرب منتصف التسعينيات وحرب منتصف الثمانينيات التي قادها هادي ضدهم. 
أما هادي، فإن المبرر جاهز لديه لتوضيح أسباب تحالفه مع صالح في حرب اجتياح الجنوب. والمبرر الظاهر هو الدفاع عن الوحدة اليمنية، لكن السبب الحقيقي يمكن العثور على تفسيره بالعودة إلى ما جرى في حرب 1986 الناجمة عن حوار 1985 داخل الحزب الاشتراكي اليمني.

خلال العقد اللاحق، أي الأول من الألفية الحالية، عادت الظاهرة اليمنية تتكرر مجدداً في 2004، وكانت حوثية بلا منازع، حيث توالت الحروب والحوارات بين الحوثيين وصالح، حلفاء اليوم وأعداء الأمس، على مدى ست جولات خلال ست سنوات. وكانت جميع جولات الحرب بينهما تنتهي بحوار موسع بين الطرفين بوساطة قطرية أو يمنية محلية.
ومنذ مطلع العقد الثاني من الألفية، أي في 2011، واليمن يشهد حوارات من ذات النمط المكرر، سرعان ما كان تعقبها صدامات مسلحة.

ويبدو أن الرئيس اليمني الحالي كان مدركاً تماماً لحقيقة أن كل حوار يلد حرباً، لأنه شاهد عيان عايش كل المراحل بنفسه، ولهذا تعمد أن يكون الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه في مارس/آذار من عام 2013 طويلاً على أمل تأخير ساعة الصفر التي يمكن لأي طرف أن يتحكم فيها. وتمكن هادي من الصمود في فترة العامين التي اختير فيها رئيساً مؤقتاً لليمن.
ومن اللافت أن الرئيس اليمني قرر أن يستمر الحوار الوطني ستة أشهر، ثم مدده إلى عشرة أشهر سادتها المماطلة في طرح الحلول وعدم الجدية في مناقشة القضايا الحقيقية، الأمر الذي أصاب الدول الداعمة للحوار وبينها دول الخليج بالإحباط.
من جهتها، تمكنت القوى النافذة عن طريق أياديها في الحوار من عرقلة صياغة دستور أو عقد اجتماعي جديد للبلاد، على الرغم من التوافق على البنود الرئيسية للدستور بين متحاورين وصل عددهم إلى 565، في مؤشر على عدم الجدية.
ومما يحسب للمبعوث الدولي السابق، جمال بنعمر، خلال فترة الحوار أنه أصر على إشراك الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، حتى إن شاب تمثيل هذه الفئات بعض القصور عند التنفيذ.
كما يُحسب للمبعوث الدولي أنه استطاع الاستفادة من الدعم الخليجي والدولي في مساعدة الرئيس هادي على الصمود. وكان وجود بنعمر عامل قوة إضافياً بل ومحورياً لبقاء هادي، وخصوصاً أن الرجل يتحدث بلغة عربية، واستطاع أن يفهم الخارطة السياسية اليمنية بسرعة ويستخدم الأوراق التي يملكها المجتمع الدولي للضغط على القوى التي قامت الثورة ضدها. هذا الأمر ساعد هادي في ترسيخ شرعيته، لكنه أهمل تماماً العمل على تحويل الشرعية التوافقية إلى شرعية إنجاز شعبية ولم يبد جدية كاملة لبناء دولة.

اقرأ أيضاً: سيناريوهات خليجية تحسباً لفشل مفاوضات اليمنيين

المساهمون