"من لم يزر قصبات وقلاع المغرب كأنه ما زاره". مقولة يردّدها العديد من السياح الذين يزورون المملكة، في إشارة إلى جمال هذه الأماكن التاريخية. الا أنها تتعرّض في الفترة الأخيرة لخطر الاندثار، بسبب الإهمال وعوامل التعرية وعدوان البشر..
وتجتمع القصبة بالقلعة في كونهما دُشنتا من طرف دول تعاقبت على حكم المغرب للتحصّن ضد الأعداء والغزاة، غير أنهما تفترقان في كون القلاع تمتاز بطابع خاص يجعلها أقرب إلى جهاز للدولة منها إلى بناية للقبيلة أو الجماعة كما هي القصبات.
ويزخر المغرب بمجموعة من القصبات والقلاع التاريخية، من قبيل قلعة أمركو، وقلعة تاسغيموت، وقلعة بني تودا، وقصبة النصراني، وقصبة المهدية، فضلاً عن قصبات الجنوب المغربي، ومجموعة كبيرة من القلاع التي أسهب المؤرخون في ذكرها.
ويقول الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، أستاذ التاريخ بجامعة مكناس، لـ"العربي الجديد"، إن القصبات والقلاع المغربية تعد رموزاً حضارية، وشواهد تاريخية وازنة، فهي ليست مجرد مبانٍ عادية، بل نتاج تراكم للخبرات التي أنتجت أنظمة دفاعية متطورة، وفنوناً هندسية، وذوقاً معمارياً رفيعاً في نقوشه وزخارفه الرائعة.
وتابع المؤرخ المغربي أن هذه القصبات والقلاع تمثل "صورة سياسية معبرة عن الهوية الوطنية، لأنها كانت في بعض الحقب التاريخية مصدر نفوذ الدولة، وقاعدة أساسية لنشأة الدول، ومركزاً لتجمّع قبلي أو قوى سياسية معارضة، وكانت مواقع للدفاع عن الوطن".
ولفت بوتشيش إلى أنه "رغم شموخ هذه القصبات والقلاع ومواجهتها عوادي الزمن، فإنها تعاني حالياً من أخطار وهي مهددة بالزوال، لما أصابها من إهمال ونسيان، وغياب عمليات الترميم باستثناء القليل منها، ما جعلها عرضة لهجمات وسائل التعرية الجوية ومرتعاً للتلوث البيئي".
عدوانية البشر امتدّت إلى هذه القلاع والقصبات، وهو ما تشهد به مثلاً قصبة المهدية غرب البلاد، حيث شقّ وسطها طريق حطّم زواياها وهدم معالمها، كما شهدت اختفاء قطع أثرية عدّة، من بينها مدافع كانت منتصبة في أعالي القصبة ومدخلها الرئيس. كما كان يوجد داخل قصبة المهدية مقبرة لليهود التي تقف شاهداً على التعايش بين الأديان، ولكنها اندثرت أيضاً بسبب الإهمال، فغاب معها نموذج تاريخي متميز في التساكن والتسامح.
وكانت الحكومة المغربية، ممثلة في وزارة السياحة، قد رصدت أخيراً أكثر من 128 مليون درهم من أجل ترميم القلاع التي يهدّدها الاندثار، خصوصاً في جنوب شرق المملكة، في أفق مساهمة مشروع الترميم في الحفاظ على جزء هام من التراث المغربي. ويُؤمل أن تثمر هذه الجهود في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
قصبة آيت بن حدو - المغرب | |