قصائد جديدة لـ "قصي اللبدي"

25 نوفمبر 2014
+ الخط -
سائق التاكسي



قلمُ الحبر في جيبه،
وعلى حاجبيه الثخينين، خطّ
من الشيبِ.
؛
يعرفُ أمكنةً وشوارعَ..
لكنه لا يحيدُ عن الدربِ.
؛
حكمته:
أجمل الطرقات..
التي زرتُها.
والنهاراتِ.. هذا الذي أنا فيه.
؛
قضى عمره عابرًا للنهارات،
لم يتزوج، ولم يبنِ بيتًا،
؛
ومن بعض عاداته
الصمت،
حين تكون الحياة خصوصية اللون،
والنوم، عند الظهيرة،
في المركبة.
؛
وإذا ما تأخّر عن موعدٍ،
قال أصحابه: "سائق الغيم"
من شدّة البطء
لكنه لا يصدقهم.

- كيف أصبحت في هذه السن،
لو لم تكن خطوتي..؟
؛
أمس أفشى لي السرّ: خمسين عامًا
على الطرقات،
ولم أخش سيدةً قط كالتجربة.

الأكاذيب 

لا أصدّق نفسي 
ولا كلماتي 
ولولاك ظلّ على هيئة الكلب 
وجهي 
وعضّ مؤخرتي. 
" لستَ أكثر من حادثٍ عابرٍ، 
في مخيلتي" 
سأقولُ له ساخرًا. 
، 

لا أصدق شيئًا 
ولا أحدًا 
لا مكان، ولا شيء آخر. 
، 
طوبى لما يتوارى، إذن، 
ويصير بخارًا. 
، 
أسير إلى البحر، 
تغمرني موجة من حنين، 
فأبحث عن جسدٍ يتمدّد مستلقيًا 
في مراهقتي: 
"لا يزال كما هو. 
يا للعبارة.. 
سوف تظلّ الورود، إذن، حية، 
في حدائقها 
والطيور محلّقة في الأعالي 
إلى أبد الآبدين! 
، 
وأسأل سائحة عن إجازتها الذهبية: 
- "أهوى مطاردة الشمس.. 
لا يتوقعها المرء في بلدي كلّ يوم. 
وأمّا مساء، 
فأترك نفسيَ للنوم". 
تضحك. 
- "نومي ثقيل، 
لأن "الرفاق" يزورونني فيه". 
، 
أصغي إلى شاعرٍ يصفُ الحرب: 
- " ذاكرتي لا تزال حديدًا" 
يقول، 
فأسخر من دقّة الوصف. 
، 
يهمس لي رجلٌ في الثمانين: 
لو كنت أعرف أين هو الله، كنتُ شكرتُ 
صنائعه كلّها، 
واحتفظت لنفسي بآرائها: 
لم يهبني حياةً مثالية، وأنا لم أكنْ ذلك العبد.. 
، 
بيتي الذي أنا فيه، بعيدٌ 
ولا أحد فيه. 
ما اسم النهار الذي يتمشّى حواليهِ؟ 
ما اسم النهار الذي نام ليلته 
فيهِ؟ 
ما اسم النهار الذي زاره 
قبل عام 
وما زلتُ أسمعُ أنفاسه 
وأرى أثرًا من خطاه على كلّ شيء؟ 
، 
يوشوشني صاحبي: 
- لا تكن عدميًا. ولا تعطِ نفسك، كاملة، 
للوساوس. 
يهبط رفُ حمامٍ قريبًا، 
ويكملُ: 
صدقْ - إذا لم تجد ما تصدقُ- نفسك. 
أرغم طيرًا على الطيران، 
وأسخر مما أراه: 
ظلال سكينته، الآن، خاوية منه..

الوشوشات

لا تزال تحوّم، 
في داخلي 
كعصافير منهوبة اللون. 
، 
يصدع في الصمت لحن التوائم.. 
حيث الرؤوس ملاصقة بعضها 
البعض. 
، 
يا للسذاجة، أيتها الريح، 
لا فرق عندك ما بين ماسورة الناي 
والبندقية. 
، 
هذا أنا أتحسّس 
جسمي؛ 
نجوتُ من الموت في حلمٍ سيئ. 
، 

أنت لا تعرفين، 
ولكنّ تلك حياتي التي تتنقّل بين المكائد.. 
، 
أعينهم تتلامع.. 
سوداء مائية، مثل عاطفة الحيوان. 
وأنت تظنّين أني أقول كلامًا.

ألعاب 

كنتُ في ما مضى 
بأشياء عادية، 
أتسلّى، 
بفكّ من العظم، 
أجلوه بالرمل والضحكات، 
من الجهتين، 
وأطلق أسنانه، كالرصاص، 
على كلّ شيء 
؛ 
بأشياء ممّا يعيدون تدويره الآن، 
أبعثُ، من قبره المعدنيّ، كمانًا، 
وأطلق أنغامه، كالرصاص، 
على كلّ شيء 
؛ 
بأشياء أخرى 
أقلّ.. 
وحين أملّ 
أسير إلى موجة تعبر الصحراء، 
وأغرق في مائها المتخيلِ، 
حتّى فمي. 
؛ 
كنت في ما مضى 
أتسلّى 
بأشياء ميتة، 
وأقول لها: 
أنت ذي عدتِ ثانية حيةً، 
قاومي.

المساهمون