دفع الشتاء القاسي وفقدان موارد التدفئة، السكان في المناطق المحررة شمال سورية، لابتكار البدائل، وتمثل آخرها باستخدام قشور الفستق الحلبي بديلاً عن الديزل (المازوت) الذي كان يستخدمه معظم السوريين سابقاً.
وانتشرت مدافئ قشور الفستق أخيراً في أرياف حماة وإدلب وحلب، وهي مناطق تشتهر بإنتاج الفستق الحلبي بكثرة، والذي يعتبر من أجود الأنواع عالمياً. ونتيجة للأزمة الإنسانية أصبح السكان يحاولون استثمار أي شيء يخرج من هذه الصناعة.
يقول عبد الكريم (32 عاماً) من ريف حماة الشمالي: "في 2011 كان سعر ليتر المازوت نحو 10 ليرات (10 سنتات)، أما اليوم فأصبح سعره تقريباً نصف دولار وأكثر، والمازوت يعتبر وسيلة التدفئة للأغنياء فقط، لذلك دفعت الحاجة الأهالي لاستخدام المخلفات الطبيعية المحلية وأشهرها قشور الفستق الحلبي".
يضيف "بعد تجفيف الإنتاج آلياً أو نصف آلي وتقشيره، تجمع القشرة الخارجية للحبة، والغلاف الداخلي القاسي، ويحتفظ به للتدفئة في الشتاء، ونتيجة لغناه بالمواد الزيتية يعتبر خياراً جيداً، سابقاً كانت هذه القشور ترمى في القمامة، أما اليوم ففائدتها عظيمة".
ويتابع "يتراوح سعر الطن الواحد منه بين 100-140 دولاراً، وهو أقل من سعر الحطب بقليل، إضافة لامتلاك الكثير من الأهالي مزارع الفستق الحلبي، الأمر الذي يجعلهم يستخدمونه، دون الحاجة لشراء أنواع أخرى من الوقود. من يمتلك المال يشترِ مؤونة الشتاء كاملة، وهناك من يشتري كميات القشور يوماً بيوم نتيجة الفقر".
ولفت إلى أن أسعار قشور الفستق الحلبي ليست أوفر كثيراً، لكن كل قرش يحدث فارقاً بحياة الناس، ومقارنة مع الحطب تشتعل القشور بسرعة أكبر، هذان العاملان يجعلانه خياراً مفضلا للكثيرين".
الحاجة أم الاختراع
يحاول الكثير من أصحاب المهن تطوير مدافئ الفستق الحلبي، لتكون أكثر توفيراً وفعالية، معتمدين على المواد الأولية الموجودة في الأسواق المحلية للمناطق المحررة.
أبو جمال حداد من مدينة خان شيخون يقول لـ "العربي الجديد"، "أضفت للمدفأة الأسطوانية العادية مستودعاً، صنعته من الستانليس ستيل، ليكون خزاناً لقشور الفستق الحلبي، وأضفنا حلزوناً موصولاً بغرفة الاحتراق، يعمل الحلزون على محرك تشغله بطارية صغيرة بقوة 12 فولت، وينقل الحلزون المتحرك القشور إلى جوف غرفة الاحتراق ليؤمن عمل المدفأة باستمرار".
ويتابع أبو جمال "تزايد الطلب دفعنا لتطوير المدفأة وجعلها تعمل رقمياً، فأضفت للمحرك جهاز توقيت زمني، للتحكم بكمية القشور الداخلة لغرفة الاحتراق ودرجة الحرارة المطلوبة، فعلى سبيل المثال يعمل الحلزون على إدخال القشور لمدة عشرين ثانية ثم يتوقف دقيقة، حتى تتم عملية الاحتراق ويعاود الدوران مرة أخرى".
ويضيف "تطوير المدفأة بهذا الشكل جعلها اقتصادية أكثر، واستطعنا الحصول على درجات حرارة أكثر انتظاماً، ويتراوح سعر الواحدة منها بين 150-200 دولار".
انتشار هذه المدافئ في المناطق الأكثر زراعة للفستق الحلبي، دفع المصنعين لابتكار أشكال وأحجام جديدة، تتناسب ورغبة الزبائن، إضافة لتصنيع أفران لاستخدامها في طهو الطعام.
تقول أم عمر لـ "العربي الجديد"، "استبدلنا المدفأة، بالفرن العامل على قشور الفستق الحلبي، ووضعناه في غرفة الجلوس، وأصبحت أستخدمه للتسخين والطهي والتدفئة، أضع الصواني بداخله أو الطناجر على سطحه، إضافة لتوفر الماء الساخن اللازم للاستحمام دوماً، هذا الأمر وفر علينا ثمن أسطوانة الغاز المرتفعة السعر".
بالمقابل من ليس لديه الإمكانية المادية لشراء المدفأة المطورة حديثاً، يضع قشور الفستق يدوياً في مدافئ بسيطة، في حين يخلط آخرون القشور مع ما جمعوه من أخشاب وحطب ومواد بلاستيكية قابلة للاحتراق، لتسرع الاشتعال نتيجة احتوائها على مواد زيتية ودهنية.