أسفرت قرعة ربع نهائي دوري أبطال أوروبا عن مواجهات ساخنة لأول مرة منذ سنوات، بعد اصطدام ريال مدريد ببايرن ميونخ، وإعادة نهائي نسخة 2015 بين يوفنتوس وبرشلونة، فيما سيلتقي أتليتكو مدريد مع ليستر سيتي، وتتجه الأنظار إلى قمة هجومية من العيار الثقيل بين دورتموند وموناكو، في الطريق نحو نصف نهائي البطولة الحالية.
المثير للاهتمام هذه المرة قوة الصراعات التكتيكية بين مختلف الفرق، لدرجة شعور المتابع وكأنها مقصودة وموجهة نحو الحصول على أفضل قمم ممكنة، لجذب انتباه جميع المتابعين، وضمان أفضل نسبة مشاهدة ممكنة في كافة المباريات تقريبا، وبالتالي تعتبر هذه المرة أفضل من السنوات السابقة على مستوى التطلعات والخطط التدريبية.
الدفاع أولا
تستحق مواجهة أتليتكو مدريد وليستر سيتي أن تكون قمة الدفاع أولا وأخيرا، فالنادي الإسباني يستطيع مواجهة أي فريق كبير وإحراجه، كما فعل خلال النسخة الماضية أمام برشلونة وبايرن وعبر إلى النهائي، لكنه يعاني بعض الشيء أمام الأندية التي تنسخ طريقة لعبه، وتغلق مناطقها الدفاعية ومن ثم تلعب على المرتدات أو الكرات الثابتة، لذلك خسر سيميوني نهائي ميلانو الأخير، رغم أنه كان على الورق أقرب من زيدان وكتيبته، لكن المدرب الفرنسي لعب بتحفظ كبير، وخرج بالمباراة إلى ركلات الجزاء بعد الوقت الإضافي.
ليستر مع شكسبير ومن قبله رانييري هو أفضل نسخة إنكليزية لفريق أتليتكو مدريد، مع خطة لعب 4-4-2 الضيقة، ووجود رباعي دفاعي صريح أمامه رباعي وسط طولا وعرضا، بالإضافة إلى عودة ثنائي الهجوم إلى منتصف الملعب، وترك الجناحين على الخط من أجل إغلاق الخط الجانبي بأكثر من لاعب، ومن ثم هز شباك المنافسين بالاعتماد على نقل الكرات بأقل عدد من التمريرات، واستخدام ألعاب الهواء أثناء الركنيات والكرات الثابتة.
يمتلك أتليتكو خبرات أوروبية أكبر، ويمتاز نجومه بقدرات أفضل على المستوى الفردي، لكن ما فعله ليستر أمام إشبيلية سيجعل كل الخيارات مفتوحة، خصوصا أنه سيلاقي فريق دفاعي يشبهه، دون نسيان مهارات محرز وفاردي بالثلث الأخير. وبالتالي ابتعاد الإنكليز عن بايرن وبرشلونة والريال سيكون أمرا إيجابيا في مصلحتهم، بينما سيحتاج سيميوني من أجل الصعود إلى تطوير خطته أثناء الحيازة والسيطرة، كما فعل خلال مواجهة برشلونة بالكأس، عندما استفاد من مهارات غريزمان وكاراسكو وغاميرو، مع البينيات من كوكي وساؤول بالعمق.
الهجوم فقط
يمكن القول إن كل المتأهلين إلى دور الثمانية تمنوا مواجهة موناكو إلا بروسيا دورتموند، لأن النادي الألماني يتفق مع نظيره الفرنسي في قوة الخط الهجومي وغزارة الأهداف، مع الإحصائيات الضعيفة في الشق الدفاعي، لتكون هذه القمة أفضل خيار هجومي ممكن، لأن الفريق الأوفر حظا سيسجل أهدافا أكثر في النهاية، مع وجود مجموعة مواهب شابة كديمبلي وبولسيتش وفيغيل في دورتموند، ومبابي وليمار مع فريق الإمارة الفرنسية.
يلعب دورتموند بخطة ثلاثي الخلف التي تتحول هجوميا إلى 3-4-2-1، بوجود ثنائي متحرك في وبين الخطوط خلف المهاجم الأوحد أوباميانغ، والاعتماد على فيغيل في الخروج بالكرة من الخلف، بينما يحصل البرتغالي غيريرو على دور البطل في عملية التحولات من الهجوم إلى الدفاع والعكس. ويسجل الألمان أهدافا بكل الطرق، كما حدث في مباراتي ريال مدريد بالأبطال، صحيح استقبلت شباكهم 4 كرات، لكنهم سجلوا بنفس العدد سواء في الإيدونا بارك أو السانتياغو برنابيو.
وإذا كان بروسيا أحد أفضل فرق أوروبا هجوميا، فإن موناكو هو الأفضل عندما يتعلق الأمر بعدد الأهداف، لأن ليوناردو جارديم يركز فقط على التقدم إلى الأمام هذا الموسم، من خلال صعود الظهيرين إلى نصف ملعب الخصم، والتركيز على توليفة رباعية هجوميا، بقيادة مبابي وفالكاو وليمار وبرناردو سيلفا، مع وجود بعض النواقص دفاعيا بعد التقدم في النتيجة، وهي نقطة الضعف التي يتفق فيها الجانبان أيضا، إنها مواجهة الهجوم ولا اختيار غيره.
لقاء الكبار
استحوذ صراع بايرن وريال مدريد على اهتمامات الأغلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنها مواجهة خاصة بين الأستاذ أنشيلوتي والتلميذ زيدان، الثنائي الذي التقى من قبل في يوفنتوس أثناء تدريب الأول ولعب الثاني، كذلك كانت لهم تجربة مشتركة في 2014 على دكة الريال، ليتقابل النجمان مرة أخرى في فريقين مختلفين، مع شعار واحد فقط، التأهل إلى نصف النهائي هدف مشترك لكل من البافاري والميرنغي.
يلعب بايرن بأريحية كبيرة في الدوري المحلي بعد ابتعاد لايبزيغ ودورتموند، كذلك توصل أنشيلوتي أخيرا إلى خلطته المميزة، بتواجد تياغو ألكانترا أمام ألونسو وفيدال، واللعب بمهاجم واحد في الأمام وعلى يمينه جناح سريع، بينما على يساره جناح متحرك ومهاري، إنها خطة 4-3-3 التي تتحول إلى 4-2-3-1. ويعتبر الفريق الألماني من أميز فرق أوروبا على مستوى الهجوم أسفل الأطراف، بالإضافة إلى قوة السيطرة والاستحواذ على الكرة، لذلك يبادر في أغلب المباريات ولا يعود لمناطقه إلا في أضيق الظروف.
أما ريال مدريد بطل أوروبا فيلعب مع زيدان بشكل مباشر بعض الشيء، بتقدم الأظهرة إلى الأمام، واستخدام لاعبي الوسط في لعب التمريرات القطرية إلى الأطراف السريعة، للاستفادة من ميزة الكرات العرضية، وتسجيل أهداف حاسمة عن طريق تمركز أكثر من لاعب داخل منطقة الجزاء، إما رونالدو أو بيل أو المهاجم الصريح، أو راموس الذي أنهى أكثر من مباراة معقدة بهذا السيناريو، وفعلها من قبل في ميونخ قبل سنوات، وبكل تأكيد سيحاول تكرارها هذه المرة للصعود إلى المربع الذهبي.
نهائي مبكر
يستطيع برشلونة عبور أي فريق من الكبار بما فيهم بايرن ميونخ، كذلك لا أحد يقدر على يوفنتوس عندما يكون في يومه، لذلك رشح أكثر من خبير هذا الثنائي لأداء المباراة النهائية في حالة عدم الوقوع ضد بعض، لكن القرعة ضربت بهذه التوقعات عرض الحائط، ليواجه الكتلان عملاق تورينو في ثمن النهائي. فعلها برشلونة سابقا في 2015، لكن اللعب ضد يوفنتوس في مباراتين أصعب بكثير من مباراة واحدة، بعد إضافة أكثر من لاعب جديد كبيانيتش وإيغوايين.
يُنهي البارسا معظم مبارياته بقدرات الثلاثي الهجومي القوي، وقدم الفريق مؤخرا عروض أفضل بعد التحول إلى 3-4-3، بسبب اللعب بثلاثي دفاعي صريح أمامه ثنائي على الأطراف، لضمان الخروج بالكرة من الخلف. ويركز إنريكي على الاستفادة من مهارات نيمار على اليسار، مع عامل الحسم الذي يميز ميسي خلف المهاجم القوي سواريز، لكن الفريق سيتاثر في مباراة الذهاب بغياب بوسكيتس، الارتكاز الذي يوفر الدعم الكامل لزملائه ويربط خطوط الفريق بالكرة ومن دونها.
أما يوفنتوس فيمتاز بأنه فريق قوي في الاختراق من العمق، نتيجة الربط الممتاز بين ديبالا وإيغوايين، بالإضافة إلى قوة لاعبيه في الكرات الثابتة واستغلال عامل الهواء. كذلك من الصعب توقع خطة أليغري، بسبب اعتماده على توليفات مختلفة، تبدأ بـ 3-5-2 وتمر عبر 4-4-2 لتنتهي بـ 4-2-3-1 و 4-3-3 في بعض المباريات. وتأتي هذه المباراة لتؤكد قوة دور الثمانية بالكامل، فالبارسا لن يجد خصماً أصعب من بطل إيطاليا في مباراتين، بينما سيصطدم زعيم تورينو بالمنافس الأكثر مهارة على الإطلاق، في انتظار قمم لا تقبل القسمة على اثنين.