تقترب الحكومة العراقية من إعلان اكتمال مشروعها الأبرز العام الحالي وهو "سور بغداد الأمني"، الذي سيحصر الدخول إلى العاصمة عبر أربع بوابات ضخمة من كل اتجاه، مع إعلان السلطات الأمنية، يوم الخميس، انتهاء أغلب مراحل المشروع الذي يهدف بحسبها إلى منع تسلل السيارات المفخخة والانتحاريين وأعضاء تنظيم "داعش" لتنفيذ اعتداءات داخل العاصمة.
المشروع الذي يلاقي انتقادات واسعة بسبب عدم جدواه من ناحية أمنية، لأن 80 في المائة من الاعتداءات تنفذ من داخل بغداد لا من خارجها، فضلاً عن الشق الطائفي الذي يحمله المشروع، يعزل بغداد عن حاضنتها من الجهات الأربع، ويلاقي شكاوى جديدة، وهي ابتلاع المشروع الذي يشرف على إنجازه الجيش ووزارات الداخلية والبلديات والإعمار، أراضي ومنازل العراقيين من دون أي تعويض. كما عزل المشروع عائلات وعشائر، بعضها داخل السور وأخرى خارجه، ما دفع ببعض المنظمات إلى وصفه بأنه "نسخة من جدار العزل العنصري الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية".
بدورها، أكدت قيادة عمليات بغداد وشرطتها، أنّها "ماضية ببناء السور رغم كل الاعتراضات الموجهة ضدّه من قبل القوى السياسية". وذكرت في بيان، أنّه "تم استكمال نحو 97 في المائة من المرحلة الأولى من السور الأمني للعاصمة، الذي يتألف من مرحلتين"، مشدّدة على أن "الهدف من السور هو تأمين منافذ العاصمة والنقاط الهشّة فيها، وقد وصلنا إلى مراحل متقدّمة فيه، ونسعى لاستكماله في أسرع وقت". وأشار البيان إلى أنّ "السور سيسهم برفع بعض الحواجز الأمنية داخل بغداد التي نعتقد بأن وجودها سيكون غير مبرر بعد اكتمال السور".
وفضلاً عن كون المشروع يقطّع أوصال المناطق، ويتجاوز على حقوق المواطنين، بعدما التهم مساحات كبيرة من المحافظات المجاورة لبغداد واقتطع أراضي المزارعين وضمّها داخل السور، فإنه يمثل أحد صور العجز الأمني العراقي عن إحباط الهجمات قبل وقوعها، واللجوء إلى الأساليب البدائية القديمة في تحصين المدن بالأسوار والقلاع.
والسور مثار انتقاد من قبل مراقبين أمنيين ومسؤولين، أكدوا عدم الجدوى الأمنية منه، ومن الممكن الاستعاضة عنه ببدائل أمنية تكون ذات جدوى أفضل ونتائج أمنية واقعية، لكنّ إصرار الجهات المسؤولة يؤكد الاتهامات الموجهة إليها بوجود دوافع سياسية وراء بناء هذا السور.
والسور محيط بالعاصمة بغداد بشكل دائري، بمساحة 200 كيلومتر، وبارتفاع 3 أمتار وعرض 3 أمتار وعمق مترين. تعلوه أسلاك شائكة، ويمتد من غرب بغداد من منطقة الخمس بيوت عند سيطرة الصقور وهي مناطق تابعة لمحافظة الأنبار، ويلتف شمالاً إلى عقرقوف ثم التاجي والطارمية ثم منطقة السدة التابعة لمحافظة صلاح الدين، وجنوباً إلى الرضوانية مروراً بصدر اليوسفية ثم المحمودية واللطيفية، وشرقاً يقتطع أجزاء من محافظة ديالى. وتقدّر كلفة السور بـ30 مليون دولار. وأعلنت قيادة عمليات بغداد في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2016 المباشرة ببناء السور، مؤكدة أن "المشروع سيحوّل بغداد إلى منطقة يتم التحكم بداخلها".
وقال عضو لجنة حقوق الإنسان العراقية محمد عدنان، لـ"العربي الجديد"، إن "السور شرد مئات العائلات ودمّر آلاف الهكتارت الزراعية المملوكة للمواطنين". وأضاف أن "الحكومة لم تعوضهم بل اكتفت بإنذارهم بالمغادرة فقط وبالقوة، وتم تهديم عشرات المنازل وأخرى أُخليت وصارت مواقع للجيش، تحديداً في الجانب الغربي من بغداد". وكشف أن "بعض العشائر صار بعضها داخل السور وأخرى خارجه، ولدينا شكاوى عن انتهاكات لحقوق الإنسان تمت في هذا المشروع".
بدوره، رأى النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، أن "هناك تجاوزات كبيرة على أراضي المواطنين في مناطق جديدة الشط بمحافظة ديالى، التي اقتطعها سور بغداد"، مبيّناً أنّ "السور الذي تصرّ عمليات بغداد على حفره أثّر سلباً على حقوق الأهالي". وأضاف أنّ "عملية الحفر شملت أراضي تابعة لمزارعين ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، وقسمت أراضيهم إلى شطرين، شطر أصبح داخل السور وآخر خارجه"، داعياً "غرفة عمليات بغداد" إلى "تدارك هذه المشكلة وإنصاف المزارعين الذي يقتاتون على زراعة المحاصيل النباتية وإرجاع الحقوق إلى أصحابها".
من جهته، رأى عضو المجلس المحلي لمحافظة ديالى (الحكومة المحلية)، حاتم السعدي، أنّ "السور التهم مساحات واسعة من محافظة ديالى ومن بلدة خان بني سعد، وتم ضمّها إلى بلدة الحسينية التابعة لبغداد". وأوضح السعدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك شكاوى كثيرة قدّمها المزارعون المتضررون من سور بغداد إلى المجالس المحلية، مطالبين بإنصافهم وعدم اقتطاع أراضيهم في السور، ورفعت تلك الشكاوى إلى مجلس محافظة ديالى، ولكن لم نر أي خطوات لحلّ هذه الأزمة"، مؤكداً أنّ "التجاوز الحكومي على حقوق المواطنين لا يمكن القبول به، خصوصاً أنّ الحكومة يتحتم عليها مراعاة الشعب وأن تكون هي الجهة المحافظة على الحقوق لا الجهة المتجاوزة عليها".