مؤخراً أخذ الكثيرون قراراً بالتضحية، وبيع كل ما يملكون لأجل الهجرة إلى أي بلد حصلت على مركز جيد في التعليم، تروي نهال، لـ"العربي الجديد"، قصة معاناتها مع تعليم ابنها، فتقول: "طفلي البالغ من العمر سبع سنوات كان يطلب من المعلمة أن ينام في آخر القسم وأن تعتبره ليس موجوداً، فهو يمل لأنه يقضي ساعات طويلة في قسم مضاء بلمبة واحدة صفراء مما يسبب له الاكتئاب، وتستمر الحصة الواحدة أكثر من ساعتين، وأصابعه تؤلمه من كثرة الكتابة والتكرار".
وتستطرد قائلة: "مع تدهور وضع ابني النفسي سافرنا إلى التشيك، وهناك رغم اختلاف اللغة وعدم وجود الأصدقاء، إلا أن التعليم بالرقصات والغناء، والإضاءة الجيدة للأقسام الدراسية، وتوافر الألعاب التعليمية جعلته يقبل على المدرسة وتحسنت نفسيته، وانتهى زمن الكوابيس، وتحسن مستواه الدراسي بالممارسة لا بالحفظ، فهو يمارس ألعابا حسابية وكذلك الشطرنج والمسابقات، فأصبح يشعر أنه يلعب ولا يتعلم".
وتستطرد قائلة: "مع تدهور وضع ابني النفسي سافرنا إلى التشيك، وهناك رغم اختلاف اللغة وعدم وجود الأصدقاء، إلا أن التعليم بالرقصات والغناء، والإضاءة الجيدة للأقسام الدراسية، وتوافر الألعاب التعليمية جعلته يقبل على المدرسة وتحسنت نفسيته، وانتهى زمن الكوابيس، وتحسن مستواه الدراسي بالممارسة لا بالحفظ، فهو يمارس ألعابا حسابية وكذلك الشطرنج والمسابقات، فأصبح يشعر أنه يلعب ولا يتعلم".
التقييم بالمهارات
وتضيف إسراء: " في مصر عانى الأبناء من ظهورهم التي أصبحت منحنية بسبب كثرة الكتب الدراسية، وأصبح ابني يكره القراءة والاطلاع خلال الإجازة الصيفية، وعندما انتقلنا إلى ماليزيا أصبح أولادي يعتمدون على أنفسهم، فالواجبات المنزلية نادرة، مما جعله يشعر أن التعليم أسهل وأعطاه ثقة في نفسه وفي رغباته وفيما يحب أن يصبح عندما يكبر، ولم يعد يحمل الكتب ويحفظ، بل أصبح يتعلم من خلال "التابلت"، فقد تغيرت معايير تقييم شخصيته بقياس مهاراته، لا بقياس مدى الحفظ والتحصيل، وأصبح لا يهاب الامتحانات الشفهية فقد أصبح واثقاً من نفسه".
الفارق بين نظم التعليم
توجهنا إلى د. ممدوح رمضان، الأستاذ بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز والأستاذ بجامعة المنوفية سابقاً، والذي قام بالتدريس لمدة تزيد عن الثلاثين عاماً ما بين تعليم تلقيني سابقاً وتعليم تفاعلي حالياً، بعد أن حصل على رسالة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية والذي يقول لـ "العربي الجديد": "التعليم التلقيني يدمرعمليات الابتكار والإبداع لدى الطلبة حيث لا يستطيعون تقديم أي أفكار ابتكارية أو إبداعية عند تقديم الدراسات أو البحوث الميدانية، لأنهم يتناقلون نفس الآليات والوسائل التقليدية المتوارثة، والتعليم التلقيني الذي عملت عليه في مصر لفترات طويلة كان دوماً ينتهي بتكوين خريج جامعي محشو الفكر بمعلومات غير مترابطة، وليست له قدرة على القيام بعمليات التحليل والتركيب والتطوير، أو عمليات ربط المعلومات المختلفة بحل المشكلات التي تقابلهم في العمل، وهي عمليات ضرورية لنجاح أي خريج في أداء عمله المجتمعي المهني بعد التخرج.
ولكن حالياً باستخدام تقنيات التعليم التفاعلي والتعليم الذاتي، أصبحت هناك أفكار إبداعية لدى الطلاب كقيامهم بتقديم الدراسات والبحوث على صورة أداء مسرحي، وظهر حديثاً نظام التعليم المقلوب حيث يقوم الطلبة بالبحث عن إجابات للأهداف التعليمية المخصصة للدرس داخل المراجع والكتب والمقالات في المكتبات أو على الإنترنت، ثم يتناقشون في ما بينهم عما تعلموه ذاتياً داخل قاعة المحاضرات تحت توجيه المعلم، وكان لذلك تأثير رائع على الأداء الذهني للطلبة حيث زادت قدراتهم على استخلاص المعلومات الصحيحة من كم المعلومات الضخم الموجود في الكتب والمقالات المختلفة، ولهذا النوع من التعليم دوراً بالغ الأهمية في توجيه الطلبة لاكتساب مهارات العمل الجماعي التفاعلي الإيجابي، بدلا من تكوين الشخصية التنافسية السلبية التي كانت تظهر دوماً مع التعليم التلقيني.
وحالياً نقوم بعمليات تعليم تبادلي بين الكليات والتخصصات المختلفة والتي لها علاقات متبادلة في أسواق العمل، لتكوين شخصية متكاملة بعد التخرج، مثل المحاضرات التفاعلية لطلاب الطب والتمريض والصيدلة في آن واحد، وبعض المحاضرات التفاعلية لطلاب الهندسة والتكنولوجيا والعلوم في آن واحد.
ويضيف د.وليد وصفي، استشاري الطب النفسي عن آثار التعليم بالتلقين على صياغة شخصية الطلاب قائلا: "التعليم بالتلقين يحجم الخيال، ويقتل الإبداع، ويشجع على السلبية، ويعطل في الطالب روح المبادرة، ويقتل الثقة في النفس، فطريقة التعليم بالاكتساب النظري للمعلومات، والترديد الببغاوي لها يحجم نسبة الذكاء لدى الطلاب، ويمنعهم من تطوير قدراتهم الذهنية العادية في الحكم على الأمور والتي تشكل شروط النجاح في الحياة العملية لاحقاً.