قرار السعودية والحجاج القطريين: استمرار للتسييس ونوايا مبيّتة

17 اغسطس 2017
(رمضان تورغوت/الأناضول)
+ الخط -
لم تترك ملابسات القرار الملكي السعودي، الصادر في بيان رسمي صيغ بشكل يبيّت نوايا غير سليمة، ليل الأربعاء- الخميس، حول الحجاج القطريين، وكيفية تعاطي الإعلام السعودي الموجَّه مع الموضوع، صبيحة الخميس، مجالاً واسعاً لتمرير المناورة السعودية الجديدة.

القرار الملكي، بكل ما أحاط به شكلاً ومضموناً، صدر ليزيد من منسوب الاستغلال السياسي من قبل السلطات السعودية لورقة الحج، من خلال قرار السماح للحجاج القطريين بالتوجه إلى مكة (والمدينة إن أرادوا) لأداء واحدة من الشعائر الدينية الأساسية بالنسبة للمسلمين.

وبقراءة سريعة للبيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، يظهر كم أنّ المملكة تسير قدماً في تسييس الحج، وكأنّ ملايين حجاج العالم يقصدون السعودية ــ البلد لأداء طقوسهم الدينية، لا الأماكن المقدسة التي شاءت الصدفة أن تقع على الأراضي السعودية، وهو أساس متعارف عليه، وبناءً عليه صار العاهل السعودي يُسمى "خادم الحرمين الشريفين"، المؤتمن، نظرياً، على تسهيل و"خدمة" طقوس حجاج العالم، لا توظيفها في السياسات الخارجية لبلده.

في الشكل، تمّ إخراج القرار على أنّه تجاوب من الملك سلمان، مع طلب ولي العهد، أو "نائب الملك"، بناء على "وساطة" قام بها شخص من أحد فروع العائلة الحاكمة في قطر، هو عبد الله بن علي آل ثاني، وهو أكثر ما يشير إلى مدى تسييس ورقة الحج من قبل الرياض.

تحاول السلطات السعودية، من خلال هذا الإخراج للقرار، تجاوز الحكومة القطرية، ومحاولة القول للقطريين وللعالم إنّها في طور البحث عن بديل قطري للسلطات الشرعية في الدوحة، وهو ذروة في تسييس الحج، ظلّت السعودية تتّهم غيرها بالقيام به، اليوم قطر، وإيران قبلها ومصر في عشرينيات القرن الماضي.


ومعروف أنّ موضوع الحج يتم ترتيبه بين الدول وبين مؤسسات الحج الرسمية، نظراً إلى أنّ الموضوع يحتاج ترتيبات تقنية وأمنية، وحدها الدول والمؤسسات الدينية التابعة لها، قادرة على القيام بها.

أمّا تجاوز الحكومة القطرية في قرار استقبال حجاج هذا البلد، مع ما يعنيه أنّه كان هناك تضييق بالفعل يصل إلى حدّ المنع بحق الحجاج القطريين، فهو يُعتبر خطوة تصعيدية في الحملة ضد قطر، وليس العكس، ذلك أنّ جولة سريعة على تعاطي الإعلام السعودي، ومنابر الدول التي تلحق بالرياض في حصار قطر، تكشف نيّة بحملة ترويج استثنائي للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، وهو شخصية لا يعرف الكثيرون عنها الشيء الكبير، سوى أنّ الرجل يتحدّر من أحد فروع العائلة الحاكمة، وأنّه أحد أبناء مؤسسي دولة قطر، وشقيق لأحد حكامها بعد استقلالها عن بريطانيا.

ويدرك العقل السعودي الرسمي، حساسية استخدام مصطلح "معارِض قطري"، في الحديث عن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، ففضّل اعتماد كلمة "الوسيط القطري"، من دون توضيح ما إذا كان هذا "الوسيط" رسمياً، أو أنّه قام باجتماعه مع محمد بن سلمان، في قصر السلام بمدينة جدة، بناءً على مبادرة فردية، أو بعد إخراج سياسي سعودي ليكون بموجبه الرجل هو الشخصية القطرية الجديدة المرغوب بها من قبل دول الحصار، أو المطلوب أن تكون بديلاً عن السلطة القطرية الشرعية الحالية، وذلك بعدما فشل إعلام دول الحصار بشكل ساحق في تكريس شخصيات قطرية قدمها على أنّها معارضة للأمير تميم بن حمد ولوالده وللحكومة في الدوحة.

ترغب المملكة من خلال هذا الإخراج، في أن تقول للقطريين وللعالم، إنّ شخصاً مثل عبد الله بن علي آل ثاني، هو القادر على ما تعجز عنه السلطة القطرية الشرعية، وللحج في هذا السياق حساسية لا تخفى في نفوس المسلمين.

ولا يعكس هذا التعاطي، سوى استمرار لحلم تنفيذ انقلاب على الحكم في قطر كاد أن يحصل بالفعل في عام 1996، وحصل أيضاً في بداية الحملة الحالية على حد اعتراف مسؤولين قطريين رسميين.

في الشكل أيضاً، نوايا مبيّتة غير سليمة، كي لا نقول خبيثة، تشكّل أساساً في القرار الملكي السعودي، وهي تُختصر بتصوير قرار الملك سلمان على أنّه "موضوع إنساني"، بموجبه تكفّل برنامجه لرعاية الحجاج بكامل نفقات القطريين تحديداً، مع علم حكام الرياض أنّ الظروف المادية للمواطنين القطريين عموماً، تسمح لهم بتغطية نفقاتهم، والتكفّل بنفقات حجاج من دول فقيرة، وهو ما تفعله قطر بالمناسبة.

بناءً على ذلك، لا يمكن أن يكون تفصيل تولّي الملك، تغطية التكاليف المالية للحجاج القطريين، قد صدر في البيان بشكل عابر أو هامشي، بل إنّه ورد عن سابق قصد وتصميم لإتمام شكل "المكرمة"، والتنصّل من حقيقة أنّ السماح لكل الحجاج هو واجب على ملك السعودية لا "عطية" ولا "مكرمة".


وانعكس موقف القطريين من هذا الإخراج الذي رأى فيه بعضهم إهانة واضحة، في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل رفض فيه القطريون أن يكون القرار السعودي "مكرمة" هي أقرب إلى الشفقة. فكلّ ما كان القطريون يطلبونه من السعودية، كان أن تلتزم بأنظمة الحج المعمول بها منذ عقود لا بل قرون، وبشكل يحترم العلاقات بين الرياض من جهة، وباقي الدول التي ترسل حجاجها سنوياً في مثل هذه الأيام، لناحية تقديم ضمانات أمنية والالتزام بالسماح للحجاج القطريين بالوصول إلى مكة (وإلى المدينة إن أرادوا) برّاً وجواً بموجب العدد المسموح لهم فيه، لا أن يتكفّل أحد بنفقاتهم المالية.

وفي الحديث عن الضمانات الأمنية، فقد خلا البيان الملكي من أيّ إشارة على هذا الصعيد، رغم أهميته، نظراً إلى المضايقات الموثقة التي تعرّض لها المعتمرون القطريون خلال وجودهم في السعودية، عند صدور قرارات الحصار، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي.

أما حرمان المقيمين في قطر من حق الحج، فهو موضوع حساس، ويشير بدوره أيضاً إلى مدى التسييس في القرار السعودي، إذ أرادت الرياض، من خلال استثناء غير القطريين من المقيمين، من حق الحج، أن تقول للعالم إنّ دولة قطر يجب ألا تكون مقصداً للعمالة الأجنبية وللمستثمرين الأجانب ولرجال الأعمال، لأنّهم، بقرارهم الإقامة في قطر، قد يتعرّضون لعقاب شديد بالنسبة للمسلمين، وهو الحرمان من أداء مناسك الحج.

بناء على هذه الملاحظات السريعة، يمكن اعتبار أنّ قرار السعودية في ما يتعلّق بالسماح للحجاج القطريين بالتوجّه إلى مكة، على الشكل الذي صدر فيه، هو تصعيد للحملة ضدّ الدوحة، لا بادرة حسن نية فيه، ونقل "الحرب الباردة" ضدّها إلى مرحلة جديدة، عنوانها البحث الرسمي عن بديل للحكومة الشرعية في هذا البلد، انطلاقاً من مناسبة الحج، الورقة السياسية المفضلة لحكام الرياض.