قرار "يونسكو": معركة تسميات فقط

03 مايو 2017
(قبة الصخرة، تصوير: توماس كويكس)
+ الخط -
يشكّل قرار "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" الذي صدر أمس، ويؤكّد أن "البلدة القديمة في القدس المحتلّة، ولا حقّ للاحتلال فيها" اختباراً سياسياً للدبلوماسية العربية التي خاضت جهوداً حتى رأى النور، وعليها أن تدافع عن مكتسباتها في ظلّ الضغوط التي تمارسها "إسرائيل" من أجل تراجع "يونسكو" أو بعض أعضائها عن هذه الخطوة.

يشكّك كثير من الباحثين العرب بأهمية ما حدث، ولديهم الموقف ذاته من القرار الذي اعتمدته "يونسكو" قبل ستّة أشهر بوحوب التزام "إسرائيل" بصون سلامة المسجد الأقصى وأصالته وتراثه الثقافي، وفقاً للوضع التاريخي الذي كان قائماً، بوصفه "موقعاً إسلامياً مقدّساً مخّصصاً للعبادة"، بالنظر إلى أن الأمم المتحدة ومنظّماتها كافّة لا تعترف باحتلال المدينة المقدسة منذ عام 1967.

كما أن القرارين فيهما قدر من "المرواغة" حين يذكران أن "الأقصى" و"تلة باب المغاربة" و"حائط البراق" وجميع معالم الحرم القدسي بوصفها آثاراً إسلامية، لكنه يضيف في فقرة أخرى عبارة تؤكّد أن "المدينة مقدّسة للأديان السماوية الثلاثة".

ربما لن يضيف الجدل حول هاتين النقطتين جديداً، فلا بدّ من الاعتراف أن فكرة التصويت لدى دول تقرّ بأن القدس محتلّة سلفاً يعني الكثير، إذ إن "إقراراها" يجب أن يترافق مع ممارسة ضغوطها وأن لا يبقى مجرد شعار سياسي، وبخصوص تقاسم المدينة بين "الديانات التوحيدية" فعلى الدول العربية أن لا تلتفت مطلقاً إلى أن المسمّيات بدلالاتها الدينية، وهنا يحضر التحدّي الأكبر باعتبار تسمية "إسلامية" تعني بالدرجة الأولى ممارسة السيادة من قِبلها كدول إسلامية.

لذا يمثّل بقية القرار أهمّ ما فيه، والذي جاء فيه أن "يونسكو" سترسل مندوباً بشكل دائم لمتابعة الانتهاكات الإسرائيلية، وإلى إعادة إعمار المدارس والجامعات والمواقع التراثية الثقافية والمؤسسات الثقافية والمراكز الإعلامية وأماكن العبادة في جميع المناطق المحتلّة في فلسطين والجولان، علماً بأن المنظّمة كان قد أعلنت العام الماضي عن إدراج عدّة معالم فلسطينية ضمن لائحة التراث العالمي، ومنها البلدة القديمة في القدس المحتلة وأسوارها.

الاختبار الحقيقي أمام الدبلوماسية العربية وبلدانها يتمثّل في عدم البحث عن اعتراف، إنما في إيجاد وسائل على الأرض للتعامل مع تقارير "يونسكو" التي تصدرها وستثبت بالتأكيد وجود انتهاكات من قبل الاحتلال، لا أن تكتفي بتكرار بيانات الشجب والإدانة، وأن تبدأ فعلياً بعملية الإعمار التي نصّ عليها القرار المذكور.

إذا لم توقف الدول العربية هذه الانتهاكات وتعجز عن إعمار ما دمرّه المحتل، فربما بات من الأجدى استصدار قرار يوفّر قوة أممية لحماية المقدّسات وتحميل الاحتلال والدول الراعية له مسؤولية ونفقات إعادة البناء، وحينها سنلجأ إلى مسمّيات أخرى للقدس والمدن الفلسطينية مثل "منطقة دولية" ولا حاجة إلى اصطلاح "إسلامية" الذي ينسب الأرض إلى ديانة لا إلى سيادة على الأرض.

المساهمون