قامت الحكومة السورية في مناسبات عدة خلال السنوات الاخيرة بزيادة أسعار المازوت وغيره من المشتقات النفطية المدعومة التي توزع في السوق المحلية.
وفي عام 2013، كانت الخسارة من قبل الحكومة للمنطقة الشمالية الشرقية الغنية بالنفط، واضطرارها لاستيراد معظم النفط المستهلك، ودفع ثمنه بالعملة الصعبة، واحداً من الاسباب وراء زيادة أسعار المازوت التي استمر ارتفاعها حتى العام الحالي.
لكن عملياّ، تتبع الحكومة منذ عام 2008 سياسةّ الإنهاء التدريجي لدعم المازوت.
وعلى المستوى العالمي، يعتبر البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، أن الدعم الحكومي للمشتقات النفطية عقبةّ رئيسيةّ امام التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وفي سورية، يندرج رفع الدعم ضمن المبررات التالية: تؤدي أسعار المازوت المتدنية في السوق المحلية إلى زيادة في الاستهلاك وارتفاع معدلات الهدر، وتشجيع تهريب هذه المادة إلى الدول المجاورة حيث تكون أسعارها أعلى بكثير، كما ان السعر المنخفض يشجع على الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة رأسمالية بدلاً من الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة في اليد العاملة، وبالتالي لا يساهم الدعم في زيادة تشغيل اليد العاملة.
ومع ذلك، فإن الحجة الرئيسية لمؤيدي إنهاء الدعم هي أن تكلفة الدعم عالية جداً و"غير محتملة" للحكومة وأن الزيادة في سعر المازوت توفر مالاً يمكن أن تستخدمه الحكومة في مشاريع استثمارية.
لكن المشكلة مع هذا المنطق، وغالباً ما يتكرر في دول العالم النامي، هو أنه بينما يرثي "عدم استدامة" الدعم ربطاً بقدرات الحكومة، فإنه نادراً ما يأخذ في الاعتبار "عدم استدامة" الإفادة بالنسبة الى المواطنين.
إذن مع زيادة سعر المازوت، تصبح أكلاف التدفئة أعلى بالنسبة إلى المواطنين، مما يزيد معاناتهم من البرد طيلة أيام الشتاء، كما ترتفع تكاليف الزراعة لاعتماد المزارعين على المازوت بكثافة في تشغيل الآلات الزراعية مما يؤدي إلى انخفاض الانتاج الزراعي، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. وفي الوقت نفسه يؤدي ارتفاع سعر المازوت إلى زيادة تكاليف النقل مما يزيد ارتفاع اسعار معظم السلع، وستنخفض المقدرة التنافسية للصناعيين الذين يستخدمون المازوت في تشغيل البعض من آلاتهم... وباختصار، يمكن القول أن لوقف الدعم تأثيرات سلبية على شرائح واسعة من المجتمع.
في عام 2008، عندما زادت أسعار المازوت بمقدار ثلاثة أضعاف، وعدت الحكومة السورية بدفع تعويضات نقدية للمواطنين وبطرح استثمارات جديدة في سورية. بالطبع لم يكن هناك أية استثمارات وسببت زيادة سعر المازوت، إضافة إلى نتائج موجة الجفاف التي مرت بالبلاد ،انخفاضاّ حاداّ في الانتاج الزراعي.
عندما تنتهي الحرب في سورية، سيكون مغرياّ جداّ للحكومة الجديدة حينئذ رفع أسعار المازوت، وأن تتذرع بالدمار الذي لحق بالبلاد، وبحاجتها إلى توفير الاموال لتبرير قراراتها. ومع ذلك، يجب على الحكومة أن تعيَ أنَّه بعد سنوات من الحرب والعديد من السنوات السابقة التي خفّضت من القدرة الشرائية للمواطنين، فإنَّ بعض القرارات ستكون ببساطة "غير محتملة" بالنسبة للسوريين، وسيكون من المهم تشجيع المزارعين على العودة إلى أراضيهم لانتاج المحاصيل، وأن تمنح الصناعيين فرصة لالتقاط أنفاسهم، وأن يشهد الشعب تحسناً في قدرته الشرائية، وأن يشعر بالدفء من جديد طيلة أيام الشتاء.
هناك بالتاكيد مبررات جيدة لرفع سعر المازوت، ومن ضمنها الحد من الهدر والتهريب، إلا أنه يتوجب على الحكومة التي ستأتي بعد الحرب أن تدرك أنه بدلاً من اللجوء إلى الحلول السهلة في سد الفجوة في حساباتها المالية، عليها الابقاء على دعم سعر المازوت لسنوات اخرى بعد انتهاء الحرب. وكذك، على الحكومة ان تعلم أن قرار تقديم، أو عدم تقديم، الدعم لمنتج اساسي كالمازوت يجب ان يبنى على رؤيةٍ شاملةٍ للسياسات والأولويات الاقتصادية والتنموية في سورية.
*كاتب ومحلل اقتصادي سوري
لكن عملياّ، تتبع الحكومة منذ عام 2008 سياسةّ الإنهاء التدريجي لدعم المازوت.
وعلى المستوى العالمي، يعتبر البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، أن الدعم الحكومي للمشتقات النفطية عقبةّ رئيسيةّ امام التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وفي سورية، يندرج رفع الدعم ضمن المبررات التالية: تؤدي أسعار المازوت المتدنية في السوق المحلية إلى زيادة في الاستهلاك وارتفاع معدلات الهدر، وتشجيع تهريب هذه المادة إلى الدول المجاورة حيث تكون أسعارها أعلى بكثير، كما ان السعر المنخفض يشجع على الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة رأسمالية بدلاً من الاستثمار في المشاريع التي تتطلب كثافة في اليد العاملة، وبالتالي لا يساهم الدعم في زيادة تشغيل اليد العاملة.
ومع ذلك، فإن الحجة الرئيسية لمؤيدي إنهاء الدعم هي أن تكلفة الدعم عالية جداً و"غير محتملة" للحكومة وأن الزيادة في سعر المازوت توفر مالاً يمكن أن تستخدمه الحكومة في مشاريع استثمارية.
لكن المشكلة مع هذا المنطق، وغالباً ما يتكرر في دول العالم النامي، هو أنه بينما يرثي "عدم استدامة" الدعم ربطاً بقدرات الحكومة، فإنه نادراً ما يأخذ في الاعتبار "عدم استدامة" الإفادة بالنسبة الى المواطنين.
إذن مع زيادة سعر المازوت، تصبح أكلاف التدفئة أعلى بالنسبة إلى المواطنين، مما يزيد معاناتهم من البرد طيلة أيام الشتاء، كما ترتفع تكاليف الزراعة لاعتماد المزارعين على المازوت بكثافة في تشغيل الآلات الزراعية مما يؤدي إلى انخفاض الانتاج الزراعي، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. وفي الوقت نفسه يؤدي ارتفاع سعر المازوت إلى زيادة تكاليف النقل مما يزيد ارتفاع اسعار معظم السلع، وستنخفض المقدرة التنافسية للصناعيين الذين يستخدمون المازوت في تشغيل البعض من آلاتهم... وباختصار، يمكن القول أن لوقف الدعم تأثيرات سلبية على شرائح واسعة من المجتمع.
في عام 2008، عندما زادت أسعار المازوت بمقدار ثلاثة أضعاف، وعدت الحكومة السورية بدفع تعويضات نقدية للمواطنين وبطرح استثمارات جديدة في سورية. بالطبع لم يكن هناك أية استثمارات وسببت زيادة سعر المازوت، إضافة إلى نتائج موجة الجفاف التي مرت بالبلاد ،انخفاضاّ حاداّ في الانتاج الزراعي.
عندما تنتهي الحرب في سورية، سيكون مغرياّ جداّ للحكومة الجديدة حينئذ رفع أسعار المازوت، وأن تتذرع بالدمار الذي لحق بالبلاد، وبحاجتها إلى توفير الاموال لتبرير قراراتها. ومع ذلك، يجب على الحكومة أن تعيَ أنَّه بعد سنوات من الحرب والعديد من السنوات السابقة التي خفّضت من القدرة الشرائية للمواطنين، فإنَّ بعض القرارات ستكون ببساطة "غير محتملة" بالنسبة للسوريين، وسيكون من المهم تشجيع المزارعين على العودة إلى أراضيهم لانتاج المحاصيل، وأن تمنح الصناعيين فرصة لالتقاط أنفاسهم، وأن يشهد الشعب تحسناً في قدرته الشرائية، وأن يشعر بالدفء من جديد طيلة أيام الشتاء.
هناك بالتاكيد مبررات جيدة لرفع سعر المازوت، ومن ضمنها الحد من الهدر والتهريب، إلا أنه يتوجب على الحكومة التي ستأتي بعد الحرب أن تدرك أنه بدلاً من اللجوء إلى الحلول السهلة في سد الفجوة في حساباتها المالية، عليها الابقاء على دعم سعر المازوت لسنوات اخرى بعد انتهاء الحرب. وكذك، على الحكومة ان تعلم أن قرار تقديم، أو عدم تقديم، الدعم لمنتج اساسي كالمازوت يجب ان يبنى على رؤيةٍ شاملةٍ للسياسات والأولويات الاقتصادية والتنموية في سورية.
*كاتب ومحلل اقتصادي سوري