في هذا الصدد، عادت برلين لتتخذ موقفاً أكثر مرونة تجاه الملف السوري، خصوصاً وأن تقديرات داخلية وُصفت بـ"السرية"، نشرتها صحيفة "بيلد" الألمانية، أمس الأوّل الاثنين، تشير إلى إمكانية وصول 1.5 مليون لاجئ إلى ألمانيا، هذا العام، علماً أنّ لدى الطرف الألماني تصوّراً واضحاً، بأن التصعيد العسكري لن يوصل إلى حلّ، ويتطلب الأمر معالجة سياسية.
وهذا ما أكدت عليه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بالقول، "للتوصل إلى حل سياسي، نحتاج إلى كل من ممثلي المعارضة السورية ونظام الأسد وآخرين، من أجل تحقيق نجاحات حقيقية"، مضيفة "يمكن لروسيا والولايات المتحدة والسعودية وإيران أن تقوم كلٌ بدورها، بالإضافة إلى كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا".
وبحسب ما أعلن رئيس الوكالة الأوروبية المكلّفة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، فرونتكس فابريس لاغيري، أمس الأوّل الاثنين، في حديث لمجموعة "ابرا" الصحافية الفرنسية، فإنّ 630 ألفاً عبروا المتوسط إلى أوروبا، هذا العام، ما دفع الوكالة، ولأوّل مرّة منذ تأسيسها قبل عشر سنوات، إلى طلب ضم 775 ضابطاً إضافياً إلى طاقمها للقيام بمهام التسجيل والفحص والاستجواب والترجمة الفورية للاجئين.
اقرأ أيضاً وثيقة: ألمانيا قد تستقبل 1.5 مليون لاجئ
ويشير عدد من المطلعين إلى أنّ أخطر ما في الضربات الجوية الروسية، أنّها لا توجه إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والمتطرفين فقط، إنما تهدف إلى القضاء على فصائل المعارضة، بحسب ما تبيّن من خلال المواقع المستهدفة، والتي كانت محل تشكيك، أيضاً، من الحكومة الألمانية، وهو ما سيدفع جميع مكوناتها ومجموعاتها إلى التوحد ضد الروس وعناصر النظام والقوات الداعمة له. وبالطبع، فإنّ هذا الأمر، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التطرف لدى المعارضة، كما والعمل على حشد المقاتلين الأجانب، باعتبار أنّ التدخل الروسي هو "تهديد وجودي" للسنّة في سورية، بحسب مراقبين.
ويستخلص خبراء عسكريون، أن بوتين لا يملك أيّ حلّ سياسي، لذلك يلجأ إلى الخيار العسكري، ما سيجعل الوضع أكثر تأزماً، ويثير المزيد من الفوضى. مقارنة بما يحدث اليوم على الأراضي السورية، يستذكر الخبراء أنفسهم، الوضع الذي كان سائداً في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان، لافتين إلى أنّ محاربة الإرهابيين لا تحتاج إلى هذا الكمّ من الصواريخ الاعتراضية وتلك المضادة للطائرات ضمن المعدات العسكرية، والدبابات والمدرعات وغيرها من التعزيزات التي وصلت إلى سورية.
ويوضح الخبراء أنفسهم، أنّ هذه التعزيزات، هي نتيجة الخوف من تطور الأوضاع التي قد تؤدي في النهاية إلى صراع مع الأميركيين والأتراك، وهذا نوع من التدابير الاحتياطية في الحروب، وسط الحديث، أيضاً، عن تدخل صيني وصربي، علماً أنّ القوات الصينية، قامت بتدريبات مشتركة مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب، وبالتالي، فإنّ محاولة إشراك الدول التي تدور في فلكها، في المهام وربما في المكاسب مستقبلاً.
ويعتبر محلّلون سياسيون، أن التدرج المنهجي للسياسة التي اتبعتها موسكو حيال الحرب الدائرة في سورية، جعلها تستغل الضعف الغربي، وتستفيد من "الفيتو" في مجلس الأمن والدعم العسكري الإيراني لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والمراوغة السياسية والعسكرية لدى إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وجاءت لتتفوق عسكرياً بعدما تفوقت دبلوماسياً، فارضة نفسها كطرف أساسي في التفاوض وإجبار الأوروبيين على القبول بالأمر الواقع، وهذا ما وضع نظام الأسد في موقع أقوى، بعدما أصبح على حافة الانهيار، على الرغم من المؤتمرات التي عقدت من أجل إنضاج حل سوري من دون الأسد، الذي اعتُبر جزءاً من المشكلة وليس الحل.
إلّا أن شيئاً لم يتحقق، وخرج الجميع فارغي الأيدي، بحسب المحللين أنفسهم، مذكّرين أنّ أوباما فوّت على نفسه فرصة تدخل ناجحة وفاعلة في سورية في أوائل عام 2013، إذ كان عدد عناصر "الدولة الإسلامية" أقل ممّا هو عليه اليوم، وقبل أن تستولي التنظيمات المتشدّدة على مساحات شاسعة من سورية، ويرتفع عدد القتلى عن الربع مليون قتيل، إضافة إلى تشريد الملايين من المواطنين.
اقرأ أيضاً: مساعٍ أوروبية لمواجهة أزمة اللاجئين