للمرة الأولى في التاريخ السياسي للجزائر، تتسلم المعارضة السياسية منصباً حيوياً، في صورة رئاسة البرلمان، كثالث منصب دستوري في الدولة، في ظرف سياسي حساس وفي خضم ثورة سلمية تشهدها البلاد، لكن غالبية قوى المعارضة ترى في الأمر صفقة سياسية بإيعاز من الجيش، وليس بنتيجة تطور في الممارسة الديمقراطية.
تسلّم القيادي الإسلامي في حركة "البناء الوطني" (الإخوان المسلمين) سليمان شنين، رئاسة البرلمان في خطوة سياسية غير مسبوقة، ويُعد شنين وهو من مواليد ديسمبر/ كانون الأول 1965 ويتحدر من منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، من بين الناشطين الأوائل في الحراك الشعبي منذ بدايته في 22 فبراير/ شباط الماضي.
وشنين هو إعلامي سابق، ومن مرافقي مؤسس إخوان الجزائر محفوظ نحناح، وأحد مؤسسي التنظيم الطلابي، وكان من قيادات الحزب التاريخي للإخوان، حركة "مجتمع السلم"، لكنه انشق عنه عام 2008 ليؤسس مع كتلة من الكوادر "جبهة التغيير" ثم "حركة البناء الوطني" في مارس/آذار 2003، وهو عضو رئيس في الكتلة البرلمانية لـ"الاتحاد من أجل النهضة والعدالة- رابطة "برلمانيون لأجل القدس"".
ويمثل وصول قيادي إسلامي من تيار الإخوان إلى هكذا منصب أيضاً، رسالة إلى قوى عربية وإقليمية لديها مواقف ضد هذا التيار السياسي، ويعزز تحالفاً سياسياً جديداً بين السلطة والإسلاميين في ظرف سياسي عصيب، باتت فيه الأزمة السياسية في البلاد عصية على الحل بسبب تباين المواقف والخيارات بين السلطة التي يقع الجيش في مركزها، وبين المعارضة بكتلتيها الوطنية المحافظة والتقدمية".
وذهبت قراءات سياسية إلى بعد دولي في الخطوة، من حيث إنّ رفع قيادي من الإخوان إلى منصب رئيس برلمان، هو خطوة معاكسة للسياقات الإقليمية المضادة لقوى الإسلام السياسي ورسالة تجدد خصوصية الحالة الجزائرية في علاقة السلطة بالإسلاميين.
وكان البرلمان قد زكى، الأربعاء، سليمان شنين رئيساً للبرلمان بعدما قدم معاذ بوشارب استقالته من منصبه، تحت ضغط الكتل النيابية بما فيها كتلة حزبه "جبهة التحرير"، وقاطعت كتل نيابية أخرى ككتلة "حركة مجتمع السلم" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية" و"حزب العمال"، الجلسة باعتبار مواقفهم سابقة تتعلق بتجميد نشاطهم في هياكل البرلمان منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي.
وعدا الكتل النيابية لقوى الموالاة التي وافقت على التنازل لمرشح المعارضة عن منصب رئاسة البرلمان، بضغط من السلطة والجيش في سياق حسابات سياسية تتعلق بإرضاء الحراك الشعبي، كانت "حركة البناء الوطني" التي ينتمي إليها رئيس البرلمان الجديد، الوحيدة التي عبرت عن موقف إيجابي إزاء هذا التطور.
ودافع بيان للحركة التي أسستها كتلة من الكوادر التي انشقت عن الحزب المركزي لإخوان الجزائر، "حركة مجتمع السلم" عام 2008، عن انتخاب شنين، وأفاد بأنّ "النائب سليمان شنين كان إحدى الشخصيات التي انخرطت في الحراك".
ووصفت "حركة البناء الوطني"، في بيان، اليوم الخميس، انتخاب نائبها سليمان شنين لرئاسة البرلمان، بـ"الثورة الحقيقية التي تؤسس لجزائر جديدة"، معتبرة أنّ "هذه الخطوة هي بداية انفراج حقيقي للأزمة، ونقل لمطالب الحراك من ساحات النضال والتظاهر، إلى ساحات السلطة والمؤسسات، كما التزمت الحركة التخندق مع الشعب، والدفاع عن مطالب الحراك الشعبي الواقعية والموضوعية، فضلا عن الالتزام بالحلول الدستورية التي تستجيب لتلك التطلعات الشعبية".
وجددت الحركة التزامها "الانخراط في أي مسعى خيّر مع كل الجزائريين دون استثناء، لتحقيق المصلحة العليا للوطن، والمحافظة على الثوابت التي رشحتها لتكون في هذا الاستحقاق التاريخي".
"التفاف" على مطالب الحراك
لكن أعضاء في الحزب المركزي لإخوان الجزائر "حركة مجتمع السلم"، عبروا عن موقف سلبي إزاء انتخاب شنين، وأصدرت كتلة الحزب بياناً حاداً اعتبرت فيه "تزكية سليمان شنين كرئيس للمجلس الشعبي الوطني، عملية تزيينية فاشلة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، وهو رئيس برلمان أمر واقع مثل من سبقه، ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية، إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري".
وأكدت الحركة أنّ "الطريقة المتبعة لانتخاب الرئيس الجديد هي ذاتها التي تم بها سحب الثقة من بوحجة وانتخاب بوشارب، ثم سحب الثقة من هذا الأخير بذات الأشخاص من خلال ممارسات الإيعاز الفوقي الذي جاء الحراك الشعبي لإنهائه، فلا يوجد أي مبرر لتغير المجموعة البرلمانية للحركة موقفها".
وشددت على أنّ قرارها مقاطعة جلسة انتخاب رئيس البرلمان، "هو انسجام مع مطالب الحراك الشعبي، وإبقاء التزامها بالاتفاق الذي وقع بين الكتل البرلمانية للمعارضة بمقاطعة أشغال المجلس، شهر مارس الماضي".
وفي نفس السياق، أكد رئيس الكتلة البرلمانية لـ"جبهة القوى الاشتراكية" صادق سليماني، أن إجماع الموالاة على نائب من المعارضة سابقة في تاريخ الغرفة السفلى للبرلمان، "هو محاولة فاشلة لإضفاء نوع من المصداقية على المؤسسة التشريعية".
وقال سليماني، في تصريح صحافي، إن كتلة الجبهة "لن تكون شريكة في خدمة مخططات غير بريئة تخدع من وكلها نيابته، حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة، وهذا كان نفس موقفنا في جلسة انتخاب رئيس البرلمان الأسبق لسعيد بوحجة، كما لم نتورط بالمشاركة في فضيحة تنصيب الرئيس السابق معاذ بوشارب".
ويشير مجمل القراءات السياسية إلى أنّ انتخاب نائب معارض رئيساً للبرلمان، مرتبط بمحاولة السلطة إضفاء مصداقية على عمليات المصادقة على سلسلة قوانين لها صلة بالترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، خاصة ما يتعلق بتعديل قوانين الانتخابات وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات.