المتسوّلة
كانت المتسوّلة تنزل دائماً في الساعة نفسها وتجلس في الجزء نفسه من الدرج، بذلك التعبير الغامض نفسه كأنها فيلسوف قادم من القرن التاسع عشر. كالعادة، كانت تضع أمامها طبق خزف من ماركة "سيرفيس"، لكنها لم تكن تطلب شيئاً من المارة. ولم تكن تعزف لا على الناي ولا على الكمان أي أنها لم تكن تصدر نشازاً فظاً مثل بقية المتسولين في المنطقة.
أحياناً كانت تفتح حقيبة يدها، الخيش المبقعة، وتخرج كتاباً لفريدرش هولدرلين أو لكيركيغارد أو لهيغل وتركز في قراءته دون نظارات.
المثير للدهشة، هو أن الصحن كان يمتلئ بالأوراق النقدية إضافة إلى أن أحدهم ترك لها شيكاً لحامله، لا يعرف هل امتناناً لها على صمتها الرقيق أم ببساطة لأن المارة فهموا أن المسكينة قد أخطأت في الزمن.
الرجل الذي تعلّم النباح
في الحقيقة كانت ثمرة سنوات من التدرب الشاق، مع فترات انقطاع كان فيها على وشك التخلّي عن الموضوع. لكن المثابرة انتصرت في النهاية وتعلّم رايموندو النباح. ليس تقليد النباح كما تعود بعض الظرفاء أو الذين يحسبون أنفسهم كذلك أن يفعلوا، وإنما النباح الحقيقي. وما الذي دفعه لهذا التمرن؟ أمام أصدقائه كان يجيب بسخرية: "في الحقيقة أنا أنبح لكي لا أبكي". ومع ذلك فإن السبب الحقيقي كان حبّه الجارف تقريباً لإخوانه الكلاب. والحب تواصل.
إذن كيف لك أن تحب دون أن تتواصل؟
كان يوم فخر بالنسبة لرايموندو ذلك اليوم الذي أصبح نباحه أخيراً مفهوماً من قبل ليو، أخيه الكلب. والأدهى من كل هذا هو أن رايموندو فهم نباح ليو. منذ ذلك اليوم اقترب رايموندو من ليو خصوصاً عند الغروب تحت سقيفة الحديقة وكانا يتحدثان عن مواضيع عامة.
بالرغم من حبّه الكبير للإخوة الكلاب، لم يكن رايموندو يتصور قط أن ليو يمتلك رؤية ذكية للعالم.
في النهاية، تشجّع يوماً لسؤاله عبر مقاطع نباح معتدل: "قل لي يا ليو بكل صدق: ما رأيك في طريقة نباحي؟". كان جواب ليو جد موجز وصريح: "أنا أقول إنك تفعله بشكل جد ممتاز، لكن عليك أن تتحسن. ما زالت لكنة بشرية تظهر في نباحك".
حبهما لم يكن بسيطاً
اعتقلا بتهمة خدش الحياء العام. لا أحد صدّقهما عندما حاولا شرح الموقف. في الحقيقة، حبهما لم يكن بسيطاً. هو كان يعاني من رهاب الأماكن المغلقة وهي من رهاب الأماكن المكشوفة. ولهذا السبب كانا يتضاجعان على عتبات الأبواب.
* mario benedetti شاعر وقاص وروائي وكاتب مسرحي أوروغواياني (1920 - 2009) عرفه قرّاء العربية بشكل خاص من خلال روايته "الهدنة".
* ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي