قدرة الرواية على التغيير

23 مايو 2018
عماد جميّل/ تونس
+ الخط -

هل للرواية قدرة على تغيير المجتمعات والتأثير في الشعوب وتشكيل وعيها ورسم هوياتها؟ للإجابة عن هذا السؤال المهم، وهو موضوع "ملتقى تونس الأول للرواية العربية" الذي انعقد مؤخراً في تونس، لا بد أن نذكّر بثلاث مسائل أعتبرها أساسية وشديدة الصلة بهذا الموضوع.

الأولى هي أن الرواية العربية شهدت في العقود الثلاثة الأخيرة تطوّراً هائلاً؛ جغرافيتها اتسعت وكتّابها تكاثروا. لم تعد كتابتها حكراً على مصر وبلاد الشام، أي ما كان يسميه بعض النقاد والباحثين "المركز" كما في السبعينيات والثمانينيات. الآن صرنا نجد في كل بلد عربي تقريباً روائيين. والأعمال الروائية ذاتها تغيّرت. اللغة لدى عدد كبير من الروائيين تخلّصت من سطوة البلاغة وغواية الإنشاء و"طرب" الغنائية. والثيمات تنوّعت. والمحرّمات تمّ اختراقها. ثمّة جرأة في مقاربة موضوعات كانت تعدّ حسّاسة. والأساليب وطرائق الكتابة تعدّدت.

بيد أن الأهم من كل هذا في رأيي أنه صار للرواية قرّاء وأغلبهم من نوع جديد. في السابق، كان قرّاء الرواية هم قرّاء "مُرغمين". يقرأون الرواية وتحديداً أعمال نجيب محفوظ والروّاد لأن أعمالهم كانت مقرّرة ضمن البرامج الدراسية في المدارس الثانوية أو الجامعات. أما القرّاء الجدد، فهم قرّاء بالمعنى الحقيقي للكلمة. يقرأون الرواية لأنهم يحبونها. يقرأون للمتعة والاكتشاف والمعرفة لأن الرواية هي أيضاً أداة معرفة.

وظهور هذا النوع من القرّاء هو نتيجة حتميّة لأسباب عدّة من أبرزها التطوّر الهائل الذي عرفته الرواية وجعلها متوفرّة في كل البلدان العربيّة وأيضاً بعض الجوائز التي استطاعت أن تحدث دينامية في عالم الرواية الذي كان راكداً.

وهناك مسألة ثالثة لا تقل أهمية عن المسألتين السابقتين وهي التحوّل الأنطولوجي الذي حدث داخل الإنسان العربي ويتمثل أساساً في وعيه لذاته الفردية. هذه الذات صارت أكثر حضوراً واستقلت إلى حدّ ما عن الذات الجماعية لأن الرواية هي فن الفرد بامتياز. وليس صدفة أنها بلغت أوجها في أوروبا في القرن التاسع عشر، قرن البورجوازية وقرن الحداثة التي تأسّست على قيم تولي الفرد مكانة هامة في نسيج المجتمع بل وتقوم على تمجيده وتحتفي بعقله وبقدراته على الإبداع والتجاوز.

لكن هل أن تزايد إقبال العرب على قراءة الرواية يؤدي إلى تأثيرها فيهم وبالتالي إلى قدرة على التغيير؟ الإجابة تتوقف على الدلالة التي نمنحها لهذه الكلمة. ماذا نعني بالتغيير؟ يمكننا أن نقارب المسألة على مستويين. الأول ذاتي داخلي والثاني جماعي خارجي.

في المستوى الأول أرى أن الإجابة لا يمكن إلا أن تكون بالإيجاب. نعم الرواية تُغيّر. حين يقرأ المرء رواية جيّدة فإنه يثري عالمه ويوسّع آفاقه ويطرح أسئلة. وحتماً ستمارس هذه الرواية تأثيراً ما عليه. وتنتج عن هذا التأثير أمور كثيرة لا نعرف أي شكل تتخذ في ما بعد.

أنتمي إلى فئة الكتاب الذين يؤمنون بقوّة الكتابة. الأدب ليس ترفاً أو شأناً ثانوياً. كل نص أدبي يُقرأ بعمق يغيّر ويترك أثراً في القارئ. لكن ما هو حجم هذا التغيير وكيف يتم ذلك؟ هنا ندخل منطقة غامضة لا أحد بمقدوره أن يستكشفها. وربما من الأفضل أن تظل معتمة مبهمة لأنها شديدة الصلة بعملية الكتابة ذاتها وبطريقة تشكّلها وبـ"قوانينها" السرية.

في المستوى الثاني أيضاً أميل إلى أن الرواية تُغيّر. صحيح أن الأدب خلافاً للسينما والمسرح لا يزال نخبوياً. على الأقل هذا ما نراه في المجتمعات العربية. وإن حدث تغيّر ما فهو يتم عبر هذه النخبة المعنية بالشأن الاجتماعي وأقصد بذلك رجال السياسة ومالكي السلطة وناشطي المجتمع المدني والنقابيين.

هؤلاء وأمثالهم هم الذين يمتلكون أدوات التغيير الفعلي الذي يمكننا أن نلمس تجلياته في المجتمع. ليس التغيير إذاً مباشراً آنياً وميكانيكياً وإنما هو نتيجة عدّة تراكمات.

دلالات
المساهمون