ربما في هذا القول، ورغم ما يحتويه من إطلاق وتعميم وتفسير اقتصادي مركّب، وجهة نظر مهمة، ويمكن الاتكاء عليها، لفهم ما يجري في الأسواق السورية التي تحكمها قرارات أبعد ما تكون عن الاقتصاد، بل وحرص من يريد لها أن تبقى على قيد الاستمرار والبيع، وإن في الحدود الدنيا.
وإلا فكيف يمكن لمراقب أن يفسر رفع المصرف المركزي السوري سعر دولار التدخل لنحو 550 ليرة، حتى دون أن يضخ كتلاً دولارية في السوق، أو يعطي شركات الصرافة والمصارف الخاصة دولارات لتحفظ ما تبقى من ماء وجه الليرة، بعد سلسلة التهاوي، التي أفقدتها أكثر من 1200% من قيمتها منذ قيام الثورة.
ولتستوي وجهة نظر الضليع بالاقتصاد، يبقي نظام بشار الأسد على مستوى الرواتب والأجور التي أكلها التضخم، بحيث لم يعد يساوي أجر عامل في الدولة منذ عشرين عاماً، ثمن طعام لخمسة أيام فقط، بعد تضاعف الأسعار بأكثر من 15 مرة خلال السنوات الأخيرة.
بل وما هو أكثر، تجلى عبر الحجز على ممتلكات "أباطرة الاقتصاد السوري"، ونقل منشآتهم إلى المدن الساحلية، لأنهم اقترفوا جريمة الوقوف إلى جانب السوريين عند مطالبتهم بحقهم بالحرية والعيش الكريم.
ولعل في قرار وزارة التجارة السورية أمس الأول، بتخفيض نسب أرباح التجار المثبتة منذ أكثر من عقدين عند 8% إلى 5%، بل وإلغاء نسبة 5% التي تضاف إلى كلف المستوردين، ضماناً لإبعاد من تبقى من التجار عن الأسواق، بعد حصارهم عامين بمنع الاستيراد وحصر التجارة فقط في من يدور في فلك الأسد.
قصارى القول: ربما لا بد من ضحية على الدوام، تحمل آثام غيرها وترمى كقربان في وجه الشارع، وليس في ذلك تبرئة لساحة التجار السوريين جميعهم، بيد أن إلزامهم بالتسعيرة بتاريخ إجازة الاستيراد التي تستغرق أربعة أشهر لتصل المستوردات إلى السوق، والتنصل في الآن نفسه، من دعم الليرة وتثبيت سعرها الذي قد ينخفض خلال تلك الأشهر ما يأكل ليس أرباح التجار، بل وربما رساميلهم، فذلك سيوصل ولا شك، بواقع تخفيض نسب الأرباح، كل من تمرد على حصر الاستيراد بآل الأسد وصحبه، إلى الإفلاس ولحاق أقرانهم بإغلاق الشركات والمحال وتغيير مهمة التجارة، أو العمل لدى من لا تسري عليهم القرارات.
أما ما أتت عليه قرارات استهداف شريحة التجار ومحاولات تغليفها بمصالح المستهلك، فلن تمر على السوريين، الذين يعرفون أن آلاف حاويات السلع والمنتجات، التي استوردها التجار المتمردون، لم تزل أسيرة الحجز في مرفأ اللاذقية، ضمن حالة تأديب مزدوج، للتجار الذين خرجوا على طاعة النظام، وللمستهلكين الذين يتمسكون بأرضهم وسوريتهم.
خلاصة القول: ثمة تبدلات خطيرة على بنية الاقتصاد السوري وتجاره التقليديين تمرر بالتوازي مع التبدلات السياسية والديمغرافية، تتناسب مع ما يسمى سورية المفيدة التي تأخذ لوناً سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً أسود، لا مكان فيها لبرجوازية سورية الوطنيين، بعد تغلغل، محدثي النعمة، من تجار المقاومة والممانعة.