وتتورط بالاغتيالات أجهزة أمنية مختلفة أبرزها جهاز الأمن الوطني، الذي يديره فالح الفياض، وأخرى تقوم بها فصائل مسلحة داعمة للحكومة العراقية ومنضوية في "الحشد الشعبي"، الذي يديره الفياض أيضاً.
وخلال الشهرين الماضيين، وقعت أعمال العنف ضد المتظاهرين، وكان القتل لا يستهدف محتجا دون آخر، فجميعهم يتبعون أجندات خارجية ويموّلون من أميركا والسعودية والإمارات وأطراف أخرى لضرب البلاد، بحسب الرواية التي تتبناها أطراف بالحكومة وأحزاب وفصائل مسلحة مرتبطة بإيران، ولكن بعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هدأت الأوضاع فيما بقيت عمليات الاغتيالات مستمرة، للمحتجين.
وتشير التقديرات في العراق، إلى أن المليشيات والعصابات المسلحة وحتى قوات الأمن تهدف إلى تحطيم "رموز الاحتجاج" وهم المثقفون والمدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تهدف إلى الإطاحة بالشعراء والصحافيين، وأخيراً المطالبين بدولة "علمانية" وفق مقاييس بناء الدول الحديثة التي تحترم الحقوق والحريات.
ولعل أبرز الرموز الذين سقطوا بنيران القوات العراقية المجهولة، هم صفاء السراي، وهو شاعر من بغداد، بات اليوم أبرز الشخصيات التي تمثل روح الانتفاضة في البلاد، أعقبه فاهم الطائي، وهو ناشط معروف من مدينة كربلاء، وليس انتهاءً بالناشط ثائر الطيب. وكان لمقتلهم أثر كبير على المتظاهرين، وهو ما فضح ما اعتبر خطة مسبقة في استهداف المثقفين والمؤثرين بالتظاهرات، التي حققت لغاية الآن هدفين من مشروعهم، الأول تمثل باستقالة عبد المهدي، والثاني بإقرار قانون الانتخابات الذي صممه المحتجون.
وبحسب مصادر بصفوف المتظاهرين وأخرى من وزارة الصحة العراقية، فإن "خريجي الكليات العاطلين من العمل، والذين لم يحصلوا على وظائف بعد تخرجهم، في المرتبة الأولى من حيث ضحايا قمع الاحتجاجات، يجيء بعدهم طلبة الكليات والمعاهد والمدارس، ثم الناشطون والمدونون والشعراء الذين كان لمقتلهم الوقع الأقسى على المحتجين، ثم يأتي الشبان العاطلون عن العمل من غير الخريجين، ثم أصحاب الأعمال الحرة والكسبة الذين شاركوا بأعدادٍ كبيرة، وأخيراً تجيء شريحة النساء".
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الصحة تعتمد في تقديرها أعداد قتلى الاحتجاجات بناءً على شهادات الوفاة التي تصدرها الشُعب والأقسام المرتبطة بها، وبالتالي فهي لا تعلن عن الأعداد الحقيقية بالنظر إلى أن عشرات المتظاهرين تم اختطافهم وتصفيتهم ولم تتوفر جثثهم بعد ذلك، وحدث ذلك في الناصرية وبابل، وبعض المتظاهرين في بغداد، إذ لا يزال العشرات منهم مفقودين وهم في عداد القتلى بعد مرور أكثر من شهرين على اختفائهم"، مبينة أن "قتلى التظاهرات في العراق تجاوزوا 600 قتيل منذ اندلاع التظاهرات ولغاية الآن تستمر عمليات الاغتيال والملاحقات للمحتجين البارزين في المدن، ومنهم الصحافيون والمصورون والمدونون".
في السياق، قال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، إن "مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أمر منذ بداية التظاهرات في البلاد وزارتي الصحة والداخلية بعدم الإفصاح عن الأرقام الحقيقية لضحايا الاحتجاجات من أجل منع التدخل الدولي وتوريط الحكومة وقوات الأمن في جرائم القمع التي طاولت المتظاهرين السلميين، ولذلك فإن اللجنة تعتمد على بيانات المنظمات المدنية المحلية والمتظاهرين في إحصاء أعداد القتلى".
وأشار في اتصالٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "السلوك الحكومي في التعامل مع المحتجين كان خاطئاً، ولا تزال غالبية القرارات التي تأخذها الحكومة في سبيل معالجة الأزمة وتنفيذ مطالب المحتجين غير صحيحة، كما أن الأوامر العسكرية والقضائية الرسمية بشأن ملاحقة المتورطين بقتل المتظاهرين واعتقال الجماعات المسلحة المختصة باغتيال الناشطين طليقة ولم تتمكن الحكومة من اعتقال أي قاتل".
وتابع أن "الجماعات المسلحة والمليشيات تتبع طريقة إسكات الأصوات الوطنية والمطالبة بالدولة المدنية من خلال قتلها، وقد تبين من خلال رصدنا أن الملاحقات لا تستهدف المتظاهرين العاديين إنما الفاعلين والناشطين الذين لهم متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه المليشيات تظن أن قتل المتظاهرين البارزين سيؤدي إلى إنهاء الاحتجاجات. وبالرغم من فشل عمليات القمع والاختطاف والاغتيالات في إرجاع المحتجين والمعتصمين إلى منازلهم، إلا أن العصابات مستمرة بعملياتها مع غياب شبه تام لدور أجهزة الدولة في حماية المواطنين العراقيين".
من جهته، قال أحد أشقاء صفاء السراي، الذي بات يُعرف في بغداد بلقب "أيقونة التحرير" وقد قتل بواسطة عبوة دخانية قذفتها قوات الأمن على المتظاهرين وأصابت رأسه، إن "قتلى التظاهرات حاضرون بصورهم في ساحتي التحرير والخلاني في بغداد، ولعل من غير المبالغة إنْ قلت إن لكل متظاهر يتواجد حالياً في ساحة التحرير عزيزا أو أخا أو صديقا سقط بنيران قوات الأمن والمليشيات خلال الأشهر الماضية".
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قتلى الاحتجاجات غالبيتهم من الشباب المثقفين الذين يؤمنون بالسلمية والدولة المدنية، ويحملون من الوعي السياسي ما يعادل السياسيين في العراق، الذين أوجدتهم الصدفة وبلغوا المناصب بالتزوير والمال الفاسد".
بدوره، أشار الناشط علي سالم، وهو من مدينة كربلاء، إلى أن "كربلاء تعد ثاني محافظة عراقية بعد العاصمة بغداد بعدد حالات الاغتيال التي استهدفت ناشطين ومدونين وصحافيين، حيث تجد المليشيات أن الناشطين لهم خطورة كبيرة على مناصبها ومصالحها، كما أنها لا تزال على قناعة بأن كل المتظاهرين الذين يخرجون في الساحات يرتبطون بدول الخارج، وتحديداً السعودية وأميركا"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما يتم الإعلان عنه عبر المؤسسات الرسمية للدولة بشأن ضحايا الاحتجاجات أرقام غير حقيقية، ولا أحد يعرف الحقيقة لأن عمليات التصفية الجسدية للمتظاهرين لا تزال مستمرة، ولم تتوقف بالرغم من وعود الحكومة وتدخل مرجعية النجف (علي السيستاني) بمنع استمرار حالات الاغتيال".