قتلنا الجوع... قتلنا تخاذلكم

21 يناير 2016
لم تكن هناك كاميرات تغطي هذا الحدث (فيسبوك)
+ الخط -
من كثرة التقلب في أثناء نومي، كسرتُ كوب الماء الزجاجيّ واستيقظتُ على صوته بعد أن انسكب الماء الذي فيه على وجهي. لم يكن ثمة أحد غيري في البيت ليوبخني على ذلك. وقفت مستغرباً وجودي في بيت لا أعرفه. رائحة العفن تفوح في المكان والجدران مصفرَّة من كثرة التدخين، وصور ممزقة حاولت جمعها لأتعرف على هوية صاحب البيت، لكن دون جدوى، وبعض العظام والجثث المتفسخة كتب بجانبها: قَتلنا الجوع.. قتلنا تخاذلكم.


حاولت جمع أغراضي بعد التأكد من نقودي وهاتفي الجوال والشاحن، فهذه هي أهم ما أملك ولم يكن ينقصني شيء. اتجهت إلى الباب لأخرج ولم يكن مقفولاً وهذا ما زاد خوفي، فقد ظننتُ أنّي اختطفت من قِبَلِ مجهولين وقاموا بوضعي في هذا البيت، وركضتُ مسرعاً إلى اللامكان.

في أثناء طريقي، جمعتُ الكثير من القطع الحديدية تشبه الشظايا التي اقتلعتها من أجساد الجرحى، جمعتها بدون سبب فقط للتسلية وكي أُظهر لأناي أنّي لست خائفاً.

رأيت جسراً طويلاً أتعبته الحرب وصرت أمشي عليه بحذر لكثرة الحفر، وكلما قطعتُ مسافة سيجارة أضع إحدى الشظايا في حال غابت الشمس واشتدّ الظلام يدلني صوتها ولمعانها لأعود إلى البيت الذي كنت فيه.

وصلت إلى نهاية الجسر ورأيت رجالاً ملثمين يحملون السلاح وينظرون إليّ بغرابة.
أكملت طريقي ورأيت رجلاً يقومون بقطع يده لأنه سرق رغيف خبز من مقرٍ عسكري تابع للملثمين، الذين يحكمون المدينة، ورأيت امرأة يقومون بجَلدها لأنّها باعت جسدها من أجل إطعام أولادها، وطفلاً صغيراً ملثّماً يقوم بذبح رجل كانت تهمته مخالفة أوامر الخليفة.
وامتلأت ثيابي بدماء هذا الرجل بعد أن قام الطفل بمسح سكينه بقميصي.

لم تكن هناك كاميرات تغطي هذا الحدث بل كان هناك شبّان بمناظر مقرفة، يصورون بهواتفهم المحمولة ويصرخون: الله أكبر، باقية .. باقية.

هذه المدينة المنسيّة كان فيها مئات الأبطال الذين أُطلق عليهم اسم أسود الشرقية. هذه المدينة محاصرة من قِبَل تنظيم داعش بعد غدرهم بأولاد دير الزور الذين قاتلوا نظام الأسد، وتحاول مليشيا الأسد ابتزاز ما يقارب الربع مليون شخص، ومنعهم من الخروج من المدينة.

تقيأت من هذا المشهد واخترت العودة إلى البيت بالرغم من كل القرف الذي فيه. خلعت قميصي الذي كان شاهداً على الجريمة، وقطعت الجسر العتيق، وتعمَّدتُ بماء الفرات قبل دخولي إلى المنزل. فتحت خزانة الملابس، لم أجد سوى بيجاما برتقالية، ارتديتها ونمت مقطوع الرأس.

(سورية)
المساهمون