قبّعة في البعيد طيّرها الهواء

14 نوفمبر 2016
(الشاعرة، تصوير: سيرج لايتنبيرغ)
+ الخط -

قرب النيل

لا حاجةَ إلى مجاز مزخرف لكي يشقَّ مجراه.
من نقطةِ تلاشٍ لم يُدركْها امرؤٌ. تضاءلَ كلُّ شيء
برشاقةٍ في مملكة انفرشتْ بهدوء شديد -

مملكة الالتباس والهمود؛ السماء
كابيةٌ وخفيفة كما رمادٌ بدا قاب قوسين من الاستسلام،
وكانت قدسيته محضَ خمار، أوشكَ

على سلسلة الجبال البعيدة التي، في رسوخها،
عادت إلى الصحراء. لعلها رحمةٌ
أن تنتصبَ بسكون هناك أو تدبَّ بصمت،

كأن أطرافَ أثوابكم ارتفعت فغطت رؤوسكم،
لائذةً في ظل المرء قربَ النيل. هل كانتِ الرمال
من الطرف القصيّ؟ قد بدا كأنكم لن تبلغوها أبداً،

لا عالمَ وراءكم، مسوَّرون منذ القدم
بالمتحوِّلِ كما لو أنّ الثابتَ مسحوقُ
حنطةٍ ملتبسٌ، انهمارُ ضوءٍ، أنفاسُ

ريحٍ مسائية. في المحصِّلة، يحفلُ قاعُ النهر
بالمجازاتِ المضيَّعة، بكل بساطةٍ ما كان هنا
هو المكان حيث يُتاحُ حتى للوقتِ أن يذهبَ بددا

وما نبَضَ بالحياةِ هناكَ أنجز نفسه بتروٍّ، دون نفاد صبر.

***

في البال إليوت، أعلو مع الدخان

هل أجرؤ على تعكير صفوِ الكون؟ يا له من سؤال،
لواحدةٍ من أولئك النسوة اللواتي يلتقطن
الزادَ في الأرض الخرابِ. ليس هناك من عودة،
وحده الحاضر، بوزرٍ يثّاقلُ لماضٍ
طافحةٌ أهراؤه. يصبح الرعد والياقوت ثوماً
وياقوتاً أزرقَ – تشكيلاتٍ من طين، تتكتّلُ عند

تخويضكَ في أرضيَ. لا أثر للينابيع المنعشة على مدّ النظر:
يذوي كلّ صوت مثل تلعثمِ العندليب
لكنّ ما ندى يبقى، ويرددُ

أبداً بأشكالٍ مختلفةٍ رسالةَ
النارِ الزاحفة،
السريعة، المحمومة،
العصيّةَ على الانطفاء.

***

عناصر

إنْ تكنْ كلُّ وهلةٍ بدايةً مبهمة
لما بعد النازلاتِ التي وحدها ستسلط الضوءَ
بعد قرونٍ على واقع الحال هذا -

أن المتداوَلَ من المفردات ما هو إلا شعشعةٌ نَجمية
تصلُ متقطّعة الأنفاس، بعد فوات الأوان.
فما الذي سيتركه لنا ذلك من كلام؟

لا أكثر من خريرِ المياه الآسر
في الزمن المضارع المركّب، لا خيط معنى
نُعقِّبُ عليه؛ على الأقلِّ

في اللحظة المحتدِمة من العصف بك
كي ترغيَ وتزبدَ من جديد
في سقوط مُطَّرِدٍ - سعيرٍ لا يني يتنامى.

***

ساحل

ليس إلا مع الحجارة والعشب
أو قبّعة في البعيد طيّرها الهواء
يمكن أن يكون ثمة لغوٌ مع لحمكَ المرمريّ

الذي يأتي على هيئة غيمة
تدفعها الريح. ألف نورس على الرمال
تشفطُ البطلينوس حتى تفرغ قواقعه، بين الزعيق والشجار.

الكلمات صلصال في ضوضاء مشوشة،
حتى ركبتي
لا تلمُّ بما أقوله،

فكيف، وأنتَ
بعيدٌ ما وراء كُليِّ القدرة، يسمعُ العماءُ المائي
أياً منها.

البحر قاعٌ حافلٌ بشرّابات الحرير
وكأن مُستراحاً ما
لا يزال ينتظر أن يُعثَرَ عليه هناك.



* يجد القارئ في كتابات Anneke Brassinga مفرداتٍ وتعابيرَ لن يصادفها في أي مكان آخر، وعالماً مختلفاً كلياً يظهر في عملها المستقى من الحياة اليومية ومع ذلك يبقى قابلاً للولوج، إذ تشكل حتمياتُ الحياة ومحدودية الأشياء والفقد والخديعة ثيمات قصائدها. في بحثها الدؤوب عن الجذور المنسية للغة، نذرت الشاعرة الهولندية (1948) جزالتها اللغوية لخدمة الحسّ الذي يمكن تسميته بالباطني، فاللغة بالنسبة إليها ليست وسيلة تواصل وحسب بل أيضاً طريقة لإيصال شحنة الوجْد. وربما كان للحسّ اللغوي الخاص الذي تمتلكه أثره في عملها كمترجمة لأعمال نابوكوف وبيكيت وبلاث. من أعمالها: "أورورا" 1987، "كلمات السر" 2005، "الجليد العائم" 2006.

** ترجمة أحمد م. أحمد

المساهمون