حلّ أمس يوم الـ 21 من حزيران/ يونيو. كان سيكون يوماً عادياً من أيام بدايات الصيف، غير أن "قراراً أممياً" حوّله منذ قرابة ثلاثة عقود إلى أحد أكثر أيام السنة صخباً. لقد صار "اليوم العالمي للموسيقى".
بهذه المناسبة، تطالعنا برامج عديدة هنا وهناك، من طوكيو إلى لوس أنجليس، ومن الخليج العربي إلى مدن المغرب الأطلنطية. دوامة من الفعاليات الموسيقية مرّت أمس على الكوكب، وبشكل خاص في المنطقة العربية.
يراد للموسيقى أن تتميّز في هذا اليوم، ولكن ها هي تحلّ في شهر رمضان حيث أن معظم الفعاليات الثقافية العربية هذه الأيام تكاد تنحصر في اللون الموسيقي. فكيف يمكننا أن نتذكّر الموسيقى أكثر؟
لكن علينا أن نقف على الأطباق المقدّمة، يكفي أن نقرأ مشهد الفعاليات التي نظّمت أمس، بيروت وتونس مثلاً، كي نلحظ مباشرة هيمنة الموسيقى الغربية، سواء باستدعاء فنانين أوروبيين أو من خلال أنماط موسيقية غربية تقدّمها فرق عربية. المفارقة التي يكشفها تزامن رمضان مع "اليوم العالمي للموسيقى" هو أن رمضان يكاد يخصّص للفعاليات الموسيقية التراثية.
بمعنى أننا نحصر كل مناسبة في لون، فهل أن 21 حزيران/ يونيو بما أنه يوم عالمي للموسيقى لا تليق به الألوان التراثية العربية؟ وهل أن رمضان لكونه في الأصل مناسبة دينية لا يليق بنا أن نسمع فيه موسيقى العالم؟
هذه المفارقة تكشف اعتباطيةً تحكم فكرة هذا اليوم في ثقافتنا. وما يقال عن "اليوم العالمي للموسيقى" يمكن أن يقال على أيام أية تظاهرة تحمل العنوان نفسه مع تغيير الكلمة الأخيرة، وهي عديدة ومتنوعة لم يعد ممكناً اليوم حصرها.
منذ سنوات قليلة كتب المخرج المسرحي التونسي فاضل الجعايبي كلمةَ "اليوم العالمي للمسرح"، وفيها تساءل بكثير من السخرية السوداء "لماذا اليوم العالمي للمسرح؟ ولماذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان؟ واليوم العالمي للمرأة واليوم العالمي للطفولة واليوم العالمي لحماية السفرجل واليوم العالمي لمكافحة الجرذان؟".
يبدو أن هذه التسميات التي تطلقها المنظّمات الدولية باتت تثير شيئاً من احتراز الفنانين، بعد أن وجدت الكثير من الترحاب في مرحلة أولى، فقد بدأ الأمر يتحوّل إلى ظاهرة في تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى أيامنا التي غصّت فيها الرزنامة بمثل هذه الأيام العالمية التي يصعب تذكّر معظمها.
هل أن الأمر لا يعدو شكلاً من أشكال العولمة الثقافية، لا ننسى هذا التزامن بين صعود هذا المفهوم وبداية إطلاق مبادرات الأيام العالمية؟ تظل هذه المسألة شكلية؟
لكن لنكن موضوعيين، ما الذي حققته هذه التظاهرات للمجالات التي تحتفي بها، من المسرح إلى الموسيقى، مروراً بالفلسفة واللغات. قد يقلب بعضهم المعادلة فيرى أنها على العكس ركّزت الأضواء في يوم واحد من العام، فماذا عن الأيام الأخرى؟ سؤال لن تجد من يجيبك عنه.