قبل العيد بأيّام

23 سبتمبر 2015
أعياد عتبات الدارة... (فرانس برس)
+ الخط -

على رصيف محطّة لسكك الحديد، يقفز الصغيران الأسمران وهما يلاعبان كلباً أبيض أجعد الوبر. الحماسة واضحة عليهما. لم تنهكهما رحلتهما الطويلة. يضحكان في حين ينبح الكلب الصغير، جذلاً بدوره. الفتاة وأخوها من المهاجرين العرب الذين اجتازوا الحقول وعبروا الحدود، قبل أن ينقلهم القطار السريع الذي ترجّلوا منه للتوّ، إلى وجهتهم الأخيرة.. إلى أرض الخلاص والأحلام. أما الكلب الصغير أجعد الوبر، فهو رفيق الناشطة الأوروبيّة الشقراء التي تحيّي الوافدين بابتسامة وبلهجة عربيّة مرتبكة، في حين تقدّم لهم رفيقتها قوارير المياه الباردة.
المكان: إحدى العواصم الأوروبيّة التي ما زالت - لغاية اليوم - ترحّب بهؤلاء. هو مشهد وثّقته إحدى محطات التلفزة الفرنسيّة.

***

في منزل أحد الأعمام، يتجمّع الإخوة الأربعة الصغار ويلعبون مع أنسبائهم ويعلو ضحكهم. جميعهم من الصبيان، وقد نصّب الأكبر سناً بينهم نفسه مدرّباً للتربية البدنيّة. الحرّ شديد في الداخل، إلا أنهم لا يأبهون. أمر طبيعيّ أن يتعرّقوا عند ممارسة الرياضة بين أربعة جدران، خصوصاً مع انقطاع التيار الكهربائيّ. هم ملتزمون بقرار منع التجوّل في الخارج، فالحيطة والحذر واجبان. ابن الجيران قُتل بشظيّة القذيفة التي دمّرت جزءاً من منزل الإخوة الأربعة قبل شهرَين، فلجأوا مع والدهم وجدّتهم إلى منزل عمّهم.
المكان: إحدى المدن العربيّة - سمّها ما شئت - التي تتعايش مع اشتباكات مسلّحة، وإن كانت متقطّعة. هو مشهد قد تختلف تفاصيله بحسب الرواة.

***

بعد الانتهاء من شراء الكتب ولوازم القرطاسيّة والحقائب للعام الدراسيّ الجديد الذي ينطلق بعد أيام، ترافق الفتيات الثلاث والدتهنّ إلى المتجر الكبير لابتياع ثياب العيد. والداهنّ يحرصان على أن تبدو صغيراتهما الثلاث بأبهى حللهنّ في المناسبات الاجتماعيّة. هما يفخران بهنّ وإن عيّرهما كثيرون بـ "التقصير"، لعدم إنجابهما صبياً بعد. وتختار الصغيرات ما يرغبنَ فيه، قبل أن يشترينَ حلوى العيد في طريقهنّ إلى المنزل. للعيد طقوسه وعاداته.
المكان: إحدى العواصم العربيّة التي ما زال أهلها - أو قل فئات منهم - ينعمون بحياة، كما يُفترض أن تكون الحياة الكريمة. هو مشهد يألفه كثيرون وإن تبدّل أبطاله.

***

هؤلاء، جميعهم، كيفما تباينت أحوالهم، أنشدت لهم السيّدة فيروز. أنشدت لهم، وقد رأت فيهم "أعياد عتبات الدارة" و"صفاء الأيام" و"فرح البال". أنشدت لهم، سائلةً "شمس الأطفال" الرفق بهم "في الدرب الموصود.. في الأيام السود".

اقرأ أيضاً: أعياد صغيرة
المساهمون