ترتفع نسبة الأشخاص الذين يعانون من السمنة في روسيا. وإن باتت الأسباب معروفة، منها الوجبات السريعة وقلّة الحركة، تكمن المشكلة في عدم التعاطي مع الأمر كأولوية.
تشير الإحصائيّات إلى زيادة كبيرة في عدد الذين يعانون من السمنة في روسيا، وسط تساؤلات عن الأسباب، خصوصاً أن السمنة باتت تهدد صحّة كثيرين في مختلف دول العالم. مؤخراً، أظهرت دراسة أعدتها الهيئة الروسية لحماية المستهلك أن عدد الذين يعانون من السمنة في البلاد زاد بمقدار أكثر من الضعف بين عامي 2011 و2015، ليبلغ 284.4 شخصاً بين كل مائة ألف، في مقابل 123.65 في عام 2011.
وعزت الدراسة هذه الزيادة إلى اتبّاع أنماط غذائية غير متوازنة، والإفراط في تناول السكر والخبز، مع النقص في تناول الخضار ومنتجات الألبان. ورغم أنّ وزارة الصحّة الروسية أعلنت زيادة عدد الروس الذين يعانون من السمنة إلى 1.3 مليون شخص في عام 2015، ثم إلى 1.4 مليون شخص في عام 2016، إلّا أنّها أرجعت الزيادة إلى التحسّن في تشخيص الحالات.
وتقول المتخصّصة في مجال التغذية، غوزيل أوفتشينيكوفا، إنّ روسيا تشهد ارتفاعاً في عدد الذين يعانون من السمنة، لكن الوضع ما زال أفضل من بعض الدول الغربية، عازية الأمر إلى عاملين رئيسين، هما زيادة استهلاك السعرات الحرارية في مقابل تراجع الحركة. وتوضح لـ "العربي الجديد": "وسط انشغالهم بالدراسة والعمل، لم يعد الناس يطهون، ويفضّلون شراء مأكولات جاهزة أو سريعة الطهو. ومن أجل جذب الرواد وتحقيق أرباح أكبر، تسعى مطاعم المأكولات السريعة إلى تحسين طعم منتجاتها من خلال إضافة الدهون والسكر، وهي إضافات تحتوي على سعرات حرارية كبيرة".
وحول التغيّرات في أنماط الحياة التي أدّت إلى زيادة عدد المصابين بالسمنة، تقول: "قبل 20 أو 30 عاماً، لم يكن هناك هذا الكم من وسائل النقل وسيارات يقودها أشخاص بلغوا 18 عاماً للتو، ولم يكن العمل مرتبطاً بالجلوس أمام أجهزة الحاسوب، كما لم يعد هناك عمل حتّى في المنازل. عندما لا تستهلك الطاقة، فإن الجسم يخزّن السعرات الحرارية على شكل خلايا دهنية".
وتنصح أوفتشينيكوفا الأشخاص الذين يعانون من وزن زائد بألّا ينتظروا تحوّله إلى مرحلة السمنة، والانتباه إلى الأعراض مثل زيادة الوزن وصعوبة التنفس، والاستعانة بطبيب متخصّص. تضيف أنّه "حتّى في حالة السمنة، هناك أمل في التخلّص من الوزن الزائد من دون جراحة، من خلال الامتناع عن المأكولات ذات السعرات الحرارية العالية، وتوظيف عضلات الجسم".
يشار إلى أنّ منظّمة الصحة العالمية تعرّف السمنة بارتفاع مؤشّر كتلة الجسم إلى 30 وأكثر. وتوضح أوفتشينيكوفا أنّه عند قياس هذا المؤشّر، يجب مراعاة التناسب بين الدهون والعضلات قبل تشخيص الحالة بأنها سمنة. ولمّا كان الإفراط في استهلاك السكر يؤدي إلى زيادة انتشار السمنة، تتعالى في روسيا بين الحين والآخر دعوات إلى فرض "ضريبة السكر" على المشروبات الغازية، كما هو معمول به في بعض الدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية.
مع ذلك، يرى كبير الخبراء في معهد السوق الزراعية، يفغيني إيفانوف، أن السكر هو أحد العوامل المؤدية إلى زيادة السعرات الحرارية في المأكولات، لكن لا يمكن تحميله المسؤولية وحده، لافتاً إلى أن العديد من مصانع المواد الغذائية والمشروبات تستخدم الغلوكوز والفركتوز المصنوعين من الذرة أو القمح، ويشبه محتواهما محتوى السكر.
يقول إيفانوف لـ"العربي الجديد": "يقف لوبي مصانع الحبوب وراء الدعوات إلى فرض ضريبة على المنتجات التي تحتوي على السكر. وإذا كنا سنطبق ضريبة، يجب تطبيقها على جميع النشويات والمشروبات التي تحتوي على سكر مثل العصائر واللبن والمنتجات ذات السعرات الحرارية العالية، وليس المشروبات الغازية فقط".
وحول تأثير السكّر على الصحّة، يقول: "لا توجد أية دراسة في العالم تؤكّد أضرار السكر عند الاستهلاك المعتدل لغير المصابين بمرض السكري، على ألا تزيد حصته عن 10 - 15 في المائة من النصيب اليومي للسعرات الحرارية".
ولا تشمل إحصائيّات أولئك الذين يعانون من السمنة في روسيا الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد، والبالغ عددهم نحو 37 مليوناً في البلاد، أي نحو 25 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد.
وبحسب البيانات الصادرة في عام 2014، فإن 54 في المائة من الرجال فوق 20 عاماً في روسيا يعانون من الوزن الزائد، بينما بلغت هذه النسبة 59 في المائة بين النساء. وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 600 مليون شخص حول العالم كانوا مصابين بالسمنة في عام 2014.
ومع زيادة اهتمام المواطنين، وفي مقدمتهم النساء، بنمط الحياة الصحي والتخلص من الوزن الزائد، تجاوزت القضية أبعادها الصحية والاجتماعية، لتتحول إلى الشغل الشاغل للبرامج التلفزيونية في روسيا. في هذا الإطار، أطلقت قناة "إس تي إس" الترفيهية الروسية في الأشهر الماضية مسابقة للتخلص من الوزن الزائد، وفاز رجل تمكن من خفض وزنه من 154 إلى 91 كيلوغراماً في غضون أربعة أشهر فقط.