قدّمت الحكومة الفرنسية مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب إلى مجلس الدولة، اليوم الخميس، على أن يتم عرضه ومناقشته أمام مجلس الوزراء، في 21 من الشهر الحالي، في أول اجتماع وزاري يُعقد بعد إعلان نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبحسب صحيفة "لوموند"، التي حصلت على نسخة من مشروع القرار، فإن حكومة رئيس الوزراء، إدوار فيليب، تطمح، عبر هذا المشروع، إلى تحويل غالبية بنود قانون حالة الطوارئ إلى القانون العام.
وينسجم مشروع القانون الجديد مع إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون، في 24 مايو/أيار الماضي، نيته تنظيم خروج مدروس من حالة الطوارئ، بعدما طالب بتمديدها إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي مشروع القانون الجديد نسخ معظم بنود قانون حالة الطوارئ التي تمنح للسلطات الأمنية صلاحيات واسعة، من دون المرور عبر السلطات القضائية، ومنها مثلاً فرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، وإغلاق أماكن العبادة، ومنع التظاهرات، وإقامة مناطق أمنية يمنع فيها التجول، ومداهمة البيوت من دون إذن قضائي من النيابة العامة.
وكانت هذه التدابير صيغت عام 1955 عندما تم إقرار حالة الطوارئ لأول مرة في فرنسا، خلال الحرب الاستعمارية ضد الجزائر، والتي تم تعديلها منذ اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني، تاريخ إعلانها للمرة الثانية في تاريخ فرنسا الحديث. وفي حال تمت المصادقة على هذا القانون، فإن مجمل هذه التدابير الاستثنائية ستتحول إلى إجراءات عادية تطبقها السلطات وفق المسطرة القانونية.
وتهدف الحكومة من وراء هذا القانون إلى إلغاء حالة الطوارئ من دون التضحية بالسلطات الواسعة التي يمنحها للأجهزة الأمنية، وإضفاء صبغة تشريعية عادية على قوانين استثنائية غالبيتها تعد في نظر الحقوقيين والجمعيات المدنية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وحرية الأفراد.
وبفضل مشروع القانون الجديد، تستطيع الشرطة مثلاً أن تفرض الإقامة الجبرية على مشتبه بضلوعه في قضايا الإرهاب، لمدة ثلاثة أشهر، قابلة للتجديد إذا قدّرت الشرطة أن هذا الشخص يشكل خطراً ولو من دون أدلة دامغة، وهو البند ذاته رقم 6 الذي يحتوي عليه قانون حالة الطوارئ. والفرق الطفيف بين هذا البند في قانون حالة الطوارئ ومشروع القانون الجديد، هو أن الشرطة ستحيط علماً المدعي العام بهذا الإجراء، وهو فرق طفيف جداً لا يغير من شيء، لأن الأمر يتعلق بتبليغ وليس بطلب إذن.
وبموجب مسودة القانون الجديد سيكون أيضاً بمقدور وزير الداخلية أن يقرر مثلاً إرغام المشتبه بهم على ارتداء سوار إلكتروني يضبط تحركاتهم. وكان هذا الإجراء تمت إضافته في ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى قانون حالة الطوارئ، ولكن وزير الداخلية لم يطبقه خوفًا من عدم دستوريته. لكن سيصير باستطاعته تطبيقه بفضل مشروع القانون الجديد من دون حرج دستوري.
أما بالنسبة لإغلاق أماكن العبادة، وهو الإجراء الذي يستهدف بالأساس المساجد والمراكز الإسلامية، فسيكون بمقدور ولاة الأمن تطبيقه بسرعة وسهولة، مثلما هو الحال في قانون الطوارئ إذا كانت هذه الأماكن "مسرحاً لإلقاء خطابات متطرفة أو أي نشاط آخر يحرض على التمييز أو الكراهية أو العنف أو القيام بأعمال إرهابية في فرنسا أو خارجها"، كما جاء في مسودة مشروع القانون، الذي حصلت صحيفة "لوموند" على نسخة منه.
وسيمنح القانون الجديد أيضاً صلاحية واسعة للأجهزة الأمنية كي تقوم بتفتيش الأشخاص والعربات والممتلكات، وإلغاء التجمعات، وإغلاق المناطق التي تعتبر مخالطتها خطراً على الأمن العام، من دون أدنى إذن قضائي.
ومن المتوقع أن يتعرّض مشروع هذا القانون لانتقادات واسعة من طرف المنظمات الحقوقية والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، لكونه يشرع لحالة الطوارئ ويدخل فرنسا في مرحلة استثنائية مغلفة بالقوانين العادية تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وهذا ما عبّرت عنه "الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان" التي نشرت، بياناً، اعتبرت فيه أن مشروع القانون الجديد "سيدخل فرنسا إلى نظام أحكام عرفية وقمعية على المدى الطويل".