أثار قانون ضريبة الدخل الذي أعلنته مؤخراً حكومة عمر الرزاز الجدل حول السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة، ولا سيما أن مسودة القانون المقترحة لا تختلف كثيراً عن سابقتها التي أطاحت الحكومة السابقة.
ومن المتوقع أن يتزايد هذا الجدل، خصوصاً بعد الانتقادات المسبقة التي وجهت للحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وماكينات إعلامية وصفها محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، بالمشبوهة في مقالته بصحيفة الغد الخميس 13 سبتمبر.
واقع الحال يقتضي ألا نقع بالأخطاء التي وقعنا بها سابقاً، وألا نستمر في الحلقة المفرغة التي ندور بها في كل أزمة اقتصادية تلم بالأردن، وأن ننظر للقانون نظرة علمية تلبي مصلحة المواطنين وتحقق المصالح الوطنية العليا، وأن نستغل الحوار الذي أطلقته الحكومة لكي نتوصل إلى صيغة تحقق المصالح الوطنية العليا بالدرجة الأولى وتحمي الطبقة المحدودة الدخل.
وتحقيق هذين الهدفين لن يفضي بالضرورة إلى إرضاء جميع الأطراف والجماعات الضاغطة التي ستتضرر مصالحها من هذا القانون، مثل: القطاعات المهنية التي تعمل في الاقتصاد غير الرسمي والقطاعات المتهربة ضريبياً، أو حتى الأغنياء وذوي الدخل المرتفع الذين يفرض عليهم القانون ضريبة تصاعدية، بحيث تزداد نسبة الضريبة المفروضة مع زيادة دخل المكلف.
كذلك، من المهم ألا نحكم على أداء الحكومة من قانون ضريبة الدخل وحده، بل أن نقيمه بطريقة شمولية وفقاً للإصلاحات المطلوبة في السياسات والتشريعات الاقتصادية، لذلك فإن الحكومة اليوم مطالبة بالعمل على ضبط الإنفاق العام الجاري بشكل جوهري وضبط الدين العام وفقاً لأنظمة وتعليمات واضحة.
الحقيقة أن القانون المقترح يحمل بين طياته العديد من الإيجابيات والسلبيات، ولتقييم مواد القانون وتمييز ما هو سلبي مما هو إيجابي علينا بالدرجة الأولى النظر إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذا القانون.
بالنسبة للآثار الاقتصادية، فمن المتوقع بحلول عام 2020 أن تبدأ الحكومة بتحصيل 90 إلى 100 مليون دينار إيرادات ضريبية إضافية من قطاع الأفراد، بعد أن يصبح إعفاء الفرد 8 آلاف دينار والأسرة 17 ألفا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه مع تطبيق نظام فوترة إلكتروني يلزم جميع مقدمي الخدمات والسلع بإصدار فواتير، سترتفع الإيرادات الضريبية نظراً لدور هذا النظام في ضبط التهرب الضريبي وزيادة التحصيلات.
من الأمور الإيجابية الأخرى في القانون رفع القانون نسب ضريبة الدخل تدريجياً على أرباح الشركات التي تعمل في المناطق التنموية، بما يساهم في زيادة الإيرادات الضريبية المحصلة منها وعدم تنفير المستثمرين في هذه المناطق، نظراً للتدرج في زيادة النسب الضريبية عليهم لتصل من 7% في عام 2019 إلى 20% بحلول عام 2023.
والأهم من ذلك هو ربط الإعفاءات التي تمنح لهذه الشركات بنظام يقيم مدى الاستفادة الاقتصادية منها وحجم تشغيلها للأردنيين، خصوصاً أن الشركات العاملة في هذه المناطق حظيت بامتيازات وإعفاءات لفترة طويلة من دون تقييم فوائدها الاقتصادية والتنموية.
أحد التشريعات الهامة والمرتبطة بقانون ضريبة الدخل، هو مشروع قانون الزكاة الجديد الذي يسمح بتنزيل مصروف الزكاة من الضريبة المفروضة على المكلفين، من ثم فإن هذا يصب باتجاهين؛ الأول تقليل قيمة ضريبة الدخل المدفوعة، والثاني تحفيز دافعي الزكاة على دفعها من خلال صندوق الزكاة إذاً مركزتها وتوجيهها من خلال قناة رسمية واحدة إلى مستحقيها واستغلالها في المصارف المنصوص عليها شرعاً والمخصصة للإنفاق على مشاريع إنتاجية تنقل الفقير من البطالة إلى الإنتاج، بالإضافة إلى إنفاقها على الصحة والتعليم والإسكان المخصص للفقراء.
بالمقابل، من مواطن الخلل في القانون الجديد إلغاء الحكومة لإعفاء الـ4000 دينار بدل نفقات التعليم والصحة في ظل تردي الخدمات العامة، ما سيعرض شريحة كبيرة من الأردنيين الذين ينفقون على التعليم الخاص والعلاج في القطاع الخاص إلى خسارة المزيد من دخلهم لصالح ضريبة الدخل، ولذلك من الضروري إعادة هذا الإعفاء.
وبطبيعة الحال، لا يمكن تقييم النهج الاقتصادي للحكومة من خلال النظر إلى قانون ضريبة الدخل وحده، فمقابل توسيع قاعدة المكلفين بدفع ضريبة الدخل التي تعدّ أداة من أدوات توزيع الثروة، على الحكومة تخفيف العبء الضريبي الكلي على المواطن المتمثل في ضريبة المبيعات على السلع والخدمات الأساسية، وكذلك الرسوم والضرائب المتنوعة التي يلزم المواطنين بدفعها في مختلف الدوائر الحكومية، ويجب أن يصب كل ذلك في سبيل استرجاع القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود ومنحهم القدرة على العيش.
من المهم أيضاً، ألا تقتصر الرؤية الحكومية على زيادة الإيرادات الضريبية من خلال تقليص الإعفاءات الممنوحة للأفراد فقط، ولكن يجب أن تشتمل رؤيتها زيادة التحصيل الضريبي من خلال زيادة دخول الأردنيين وخلق فرص اقتصادية حقيقية لهم وتحفيزهم على العمل والإنتاج.
ومن هذا المنطلق، وفي سياق ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع نسبة الشباب في الهرم السكاني الأردني؛ يحق لنا التساؤل: لماذا لا تقدم الحكومة مزايا ضريبية للشباب تحت سن 30 عاماً من الرياديين ومن بادروا بتشغيل أنفسهم من خلال بدء أعمالهم ومشاريعهم الخاصة؟ ولا سيما أن هذه الفئة تواجه العديد من المعوقات البيروقراطية والرسوم والفواتير التشغيلية التي تمنعهم من بدء مشروعهم الخاص.
من أهم الإصلاحات التي يجب أن نوليها الأهمية إصلاح الاختلالات في المالية العامة للدولة، وهذا يتطلب من الحكومة أن تقوم بهذه الإصلاحات من خلال قانون الموازنة العامة المنتظر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، حيث يجب أن تقوم الحكومة بضبط الهدر في نفقاتها الجارية بشكل كبير، والحقيقة أن هنالك العديد من البنود التي يمكن خفض النفقات الجارية فيها. كما يجب أن تتم متابعة الفوائض بالموازنات المخصصة للوزارات والهيئات المستقلة والعمل على إعادتها للخزينة.
كذلك، يجب على الحكومة اليوم القيام بإجراءات واضحة ومحددة لضبط الدين العام، ومأسسة عملية الاقتراض الحكومي، وذلك من خلال العمل على مركزة القرارات المتعلقة بالاقتراض للمؤسسات والهيئات التابعة للحكومة والمؤسسات شبه الحكومية وتبرير المشاريع والأسباب التي تقترض بموجبها هذه المؤسسات وتعزيز المساءلة والرقابة على عمليات الاقتراض وسبل إنفاق الأموال المقترضة ومدى حاجة هذه المؤسسات لهذه القروض والمشاريع التي تقترض لتنفيذها، وذلك حتى لا تتسبب بعض الجهات برفع الدين العام للحكومة بلا سبب أو مبرر أو أثر تنموي حقيقي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقوم أي جهة حكومية أو شبه حكومية بتقديم مصادر تسديدها للقرض ودراسة للأثر التنموي لهذا القرض عند طلب الموافقة من الجهات المعنية عليه.
والأكثر أهمية اليوم أن تعمل الحكومة على ضبط الفساد ومحاربته بشكل حقيقي وجدي ومهما كان الثمن ومهما كانت الضغوطات، لأنه من دون محاربة الفساد لن يشعر الأردنيون بجدية الحكومة في عملية الإصلاح.
ملخص القول، بغض النظر عن قانون ضريبة الدخل وجدلية مسألة الضرائب في الأردن، على الحكومة اليوم أن تبدأ، وبالتوازي مع طرحها لقانون ضريبة الدخل، بإجراءات جدية وحازمة ومباشرة لضبط الهدر في الإنفاق العام، والتخفيف على المواطنين من خلال إعادة النظر في الضرائب غير المباشرة والرسوم المختلفة، ومحاربة الفساد بشكل جدي، وخلق فرص اقتصادية للشباب من خلال استثمار الإيرادات الحكومية في مشاريع ذات أثر تنموي حقيقي، وأن تتم إحالة عطاءات هذه المشاريع لتحالفات من شركات صغيرة وناشئة لمنح القائمين عليها فرصا أكبر بالارتقاء بمشاريعهم وتشغيل المزيد من الأردنيين، بدلاً من الأساليب التي كانت متبعة سابقاً في إحالة هذه المشاريع لشركات كبرى أو شركات ذات صلة بالرأسماليين المرتبطين بالحكومة أو "النواب المقاولين".