قانون تقسيم الدوائر المصرية: تلغيم مبكر للبرلمان

11 ديسمبر 2014
العيوب الدستورية تكرر سيناريو المرحلة الانتقالية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

على غرار ما فعله المجلس العسكري في مصر، إبان المرحلة الانتقالية في العام 2011، يعيد التاريخ نفسه اليوم بتمرير قانون جديد لتقسيم الدوائر الانتخابية بهدف تلغيم البرلمان المقبل.

وكان المجلس العسكري السابق، قد مرّرَ قانون انتخابات مختلاً أسهم في حل البرلمان السابق بحكم قضائي، بعد أن جاءت أغلبيته من الأحزاب الإسلامية.

وأقرّ مجلس الوزراء المصري، أمس الأربعاء، قانون دوائر الانتخابات النيابية، متضمناً مواداً غير دستورية، قد يُطعن فيها لاحقاً، لتعيد تكرار سيناريو مأساة حل البرلمان السابق، بعد أربعة أشهر فقط من انعقاده.

وبحسب خبراء، فإن قانونَي الدوائر وانتخابات مجلس النواب مليئان بالمواد غير الدستورية، إضافة إلى صدور قانون تقسيم الدوائر قبل الترسيم الجديد لحدود المحافظات، ما يعد مطعناً آخر على انتخابات مجلس النواب المقبل.

وعلى الرغم من تحذيرات الخبراء، فإن الإصرار على عدم تعديل القانون، يفتح باب الشك في أن المغزى هو إصدار قوانين غير دستورية، بهدف تسهيل إصدار حكم بحل البرلمان، إذا جاءت أغلبية أو أكثرية غير متوافقة مع حسابات السلطة، كما حدث سابقاً.

ويتوقع أستاذ القانون الدستوري في جامعة الأزهر، وعضو الجمعية التأسيسية السابق، داوود الباز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يُصدَر حكمٌ بعدم دستورية قانون الانتخابات البرلمانية، لأن الأحكام السابقة تشير إلى أن قوانين الانتخاب، التي لا تساوي بين القائمة والفردي، قُضي بعدم دستوريتها".

ويوضح الباز أن "القانون الذي منح 78 في المائة للنظام الفردي، و22 في المائة لنظام القوائم المغلقة، يجافي مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين، والذي سيسهم في تقديم طعون على القانون، والحكم بعدم دستوريته، في حال أرادت السلطة الحاكمة ذلك"، في إشارة إلى سيطرة السلطة التنفيذية على القضائية.

وحول فرض القانون نسباً معينة في القوائم الانتخابية لبعض الفئات، كالشباب والمرأة والأقباط والأشخاص المعوقين، يقول الباز إن الأمر "قد يكون محل طعن دستوري على القانون أيضاً، لأن التمثيل الملائم أو المناسب الذي نصت عليه التعديلات الدستورية الأخيرة لتلك الفئات لا يأتي بفرض قائمة معينة". ويلفت أستاذ القانون الدستوري إلى أن قانون تقسيم الدوائر لم يستوعب الترسيم الجديد للمحافظات، وبالتالي سيكون محل طعن دستوري.

وفي السياق، يعتبر مسؤول ملف الانتخابات في حزب مصر القوية، محمد المهندس، أن تجاهل السلطة لكل مطالبات الأحزاب السياسية بتعديل قانون مجلس النواب المخالف للدستور، يفتح باب الطعن على أي انتخابات لمجلس النواب، وتكرار نفس سيناريو حل مجلس الشعب عام 2012.

ويشير المهندس في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه لا يستبعد أن يكون هناك إصرار من السلطة على وجود قانون غير دستوري بهدف حل مجلس النواب "إذا جاء لا يتوافق مع هوى السلطة الحاكمة"، ولا سيما أنّ مجلس النواب، بحكم الدستور، سيحصل على سلطات تفوق سلطات الرئيس.

ويلفت مسؤول ملف الانتخابات في حزب مصر القوية إلى أن الأجواء السياسية في البلاد، من قمع وتنكيل بالمعارضين للسلطة، إضافة إلى قانون مجلس النواب المخالف للدستور، لا تشجع حزبه على خوض الانتخابات النيابية.

من جهته، يرى رئيس لجنة الانتخابات في تحالف الوفد المصري، حسام الخولي، أنّ مشروع قانون تقسيم الدوائر لن يمثل غالبية المصريين، وأن القوائم المغلقة المطلقة ستهدر أصوات نحو 49 في المائة من الناخبين، على غرار الوضع مع النظام الفردي.

ويلفت الخولي إلى أن تحالفه كان يؤيد القوائم النسبية، وسبق له الاعتراض على قانون تقسيم الدوائر، الذي وصفه بأنه "معيب دستورياً"، مستدركاً بأن التحالف سيخوض الانتخابات على الرغم من العوار الدستوري في القانون.

أما رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، فيعتبر أن قانون الدوائر خرج من دون الأخذ بتوصيات الأحزاب التي تم الاستماع إليها، مطالباً بضرورة الانتهاء من الانتخابات البرلمانية في أقرب وقت، حتى يكون هناك برلمان يشرّع ويراقب ويحاسب الرئيس والحكومة.

الانتقادات جاءت أيضاً من قبل عضو لجنة الدستور المنتهي عملها، عمرو الشوبكي، الذي حذر من قانون تقسيم الدوائر الذي وافق مجلس الوزراء عليه اليوم، معتبراً أن تقسيم الدوائر بهذه الطريقة لم يحدث في تاريخ مصر، ولا أي دولة في العالم، لجهة وجود هذا التفاوت في تقسيم الدوائر لتكون هناك 119 دائرة فردية بمقعدين، و77 بمقعد، و35 بثلاثة مقاعد.

واعتبر الشوبكي عبر صفحته على "فايسبوك" أنّ هذا أمر يدلّ على أن "التفكير بالقطعة، الذي تحكمه تفاصيل فنية وإدارية منفصلة تماماً عن أي رؤية سياسية، لا يزال هو السائد، لأن الطبيعي والبديهي أن يوضع نظام انتخابي للأمة، لا يفصّل على مقاس أحياء أو أقسام أو دوائر، وأن يكون هذا النظام موحداً لكل الجمهورية".

وأشار إلى أن قانون تقسيم الدوائر بهذه الطريقة لن يساعد الشباب كما يروج البعض، إنما سيساعد كل من له عصبية ومال على النجاح. ونبّه الشوبكي من أنّ وجود دوائر فردية بها نائب لكل 131 ألف مواطن، ستحول البرلمان إلى كتل من المستقلين البعيدين تماماً عن مسألة الرقابة والتشريع. وتوقع أن يتسبب هذا القانون في أزمات كبيرة للبلاد، وسيجعل تفاعلات العملية السياسية تجري خارج البرلمان، وسيقوّي من الصوت الاحتجاجي الرافض لكل الأطر الشرعية.