قانون السلطة القضائية في مصر.. استدامة السلطوية

01 يونيو 2017
+ الخط -
بعد أشهر من الأخذ والرد والمواجهة بين البرلمان والقضاء في مصر، صدرت تعديلات قانون السلطة القضائية، والتي أعطت لرئيس الجمهورية الحق فى اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين ثلاثة مرشحين، يقدمهم المجلس الأعلى لكل هيئة، خلافاً للوضع السابق الذى كان دور رئيس الجمهورية فيه يقتصر على التصديق على اختيار الهيئات القضائية رؤساءها. فجرت تلك التعديلات مواجهة ما بين القضاء ومؤسسة الرئاسة، حيث رأت الهيئات القضائية أن القانون يمسّ استقلال القضاء. وفي الحقيقة، هذا القانون واحد من سلسلة من المواجهات، اتخذتها مؤسسة الرئاسة مع كل هيئات الدولة التي لا تخضع إلى سلطتها بشكل كامل، وتسمح لها المنظومة القانونية والدستورية باستقلالية نسبية، سواء فى عملها، أو تعيين رؤسائها وتحصين مناصبهم. وفي هذا السياق، يمكن فهم تصريحات مؤسسة الرئاسة "وضع الدستور بحسن نية"، والذي عكس ضيق الرئيس عبد الفتاح السيسي من البنية الدستورية القائمة، ورغبته ومؤيديه في تجاوزها، بتعديل دستوري أو ملء الفراغات التي تبعدهم عن الهيمنة، بنصوصٍ قانونيةٍ تثبت (وتوسع) سلطات رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية بشكل عام، وتقلص مساحات عمل تلك المؤسسات أيضاً.
وفي هذا الإطار، يمكن رصد عدد من الحالات، منها المواجهة العنيفة مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، عقب إطلاقه تصريحاتٍ تتعلق بمعدلات الفساد داخل أروقة النظام وأجهزته السيادية، ما شكل صورةً مناقضة لما تعلنه الدولة أنها تجابه الفساد، فإذا بجنينة، وهو رئيس أهم جهاز رقابي تابع للدولة، يعلن أن حصيلة الفساد تجاوزت 600 مليار خلال ثلاثة أعوام. وحينها أُصدِر قانون خصيصاً لجنينة، يسمح بإعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية وأعضائها من مناصبهم، إذا أضروا بالمصلحة العامة. وكانت حالة عزل جنينة الحالة الأولى المكشوفة لإخضاع قيادات مؤسسات الدولة بشكل كامل للسلطة التنفيذية، وجاء إعفاء جنينة من منصبه إجراءً عقابياً ودرساً لغيره من قيادات أجهزة الدولة، وعمل رسالة مفادها إما الخضوع أو العزل والتهميش، عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، على الرغم من أن فترة رئاسته كانت ستنتهى قبل فترة وجيزة من إصدار قانون عزله.
وقبل واقعة جنينة، كانت هناك إجراءات النقل والإعفاء من الخدمة تدور في السياق نفسه، ثم 
جاءت المواجهة مع شيخ الأزهر، والذي يتميز بتحصينٍ لمنصبه، إضافة إلى مكانته التي تمثل سلطة رمزية ودينية، تمتد خارج مصر. وقد جرت حملة ضارية مخططة، وبشكل مقصود، ضده، وتجاوزت الحملة في عنفها قضية التنوير أو محاربة الإرهاب، وتشابهت في عنفها وخطابها الإعلامي مع الحملة ضد جنينة، وحاولت الأذرع التابعة للدولة إقرار تشريع يعيد تنظيم الأزهر، إلا أن مساعي التهدئة أوقفت مشروع القانون.
وعودة إلى الواقعة الجديدة، والمتعلقة بممارسة الوصاية على القضاء، فإن قانون السلطة القضائية يتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات، وتضع تعديلات القانون مسألة التعيين أو الاستبعاد أداة تعزّز تحكّم السلطة التنفيذية فى السلطة القضائية. والملاحظ أن تعديلات قانون السلطة القضائية سبقتها حملة إعلامية ضد بعض القضاة، بغرض تسهيل استقبال الرأي العام القانون، فقامت عدة وسائل إعلامية بحملةٍ ركزت على قضايا الفساد التي تورط فيها قضاةٌ، كان من ضمنها واقعة القبض على الأمين العام لمجلس الدولة، وائل شلبي، الذي أعلن أنه انتحر بكوفية في أثناء احتجازه في جهاز الرقابة الإدارية على ذمة قضية رشوة.
وعلى جانب آخر، استهدف قانون السلطة القضائية المستشار، يحيى الدكروري، الذي أصدر حكماً بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وسبب بهذا الحكم إحراجاً للسلطة التنفيذية، وأجهزة الدولة ومؤسسة الرئاسة التي كانت تصرّ على سعودية الجزيرتين، وأن اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية هو تنفيذ لمبدأ رد الحق إلى أصحابه، وليس تخلياً عن جزءٍ من أراضي مصر لصالح السعودية في مقابل المنح والاستثمارات. وقد جاء القانون إجراء عقابياً للدكروري، لكي يعيق توليه رئاسة مجلس الدولة، وفقاً للعرف السائد في تعيين أقدم الأعضاء سناً.
مورست وقائع عديدة لأحكام السيطرة على كل مؤسسات الدولة، تتصل ببعضها بعضاً، وتستكمل ما سبق من إجراءات وقوانين، تهدف إلى السيطرة على مؤسسات المجتمع من أحزاب ونقابات ومؤسسات إعلامية. وتهدف تلك الإجراءات، في محصلتها النهائية، إلى شل حركة المجتمع وتقييدها، ليكون رهن إرادة النظام، ومسيطراً عليه بشكل تام، بحيث يحد ذلك من إمكانات إحداث أي تغيير مستقبلاً، ويحافظ على استدامة الطبقة الحاكمة المستفيدة من هذه الأوضاع، ويمكن هنا توضيح ملاحظاتٍ في هذا الشأن.
أولاً: استخدام القانون سيفاً لإخضاع مؤسسات الدولة بشكل مطلق، كما حدث مع واقعة عزل
رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، وقانون الهيئات القضائية الذي استهدف عقاب المستشار يحيى الدكروري.
ثانياً: سعى النظام إلى تأميم كل مصادر القوة والنفوذ والسلطة، لتكون فى يده، سواء كانت هذه المصادر تتمثل في سلطة القضاء أو التشريع، وصولا إلى سلطة الرقابة والمحاسبة، وحتى السلطة الرمزية الدينية، والتي يمثل الأزهر أحد مصادرها.
ثالثاً: يشكل الإعلام، بجانب القانون، أداة للإخضاع والسيطرة، حيث يشن حملات مخططة ضد الهيئة أو الأشخاص المستهدفين كهجومه على القضاة وجنينة وشيخ الأزهر.
رابعاً: من المتوقع مستقبلاً، وقياساً على ما يتم، وخصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة، ازدياد لهجة التصعيد الإعلامي والبوليسي ضد قوى المجتمع، ومنها النقابات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وقد بدأت بوادر هذا التصعيد مع حملة القبض على بعض الشباب من حزبي الدستور والعيش والحرية، بتهم مهاجمة النظام عبر صفحاتهم على "فيسبوك"، إضافة إلى التحقيق مع المرشح الرئاسي السابق، خالد علي، بتهمة إهانة القضاء.
خامساً: كل الإجراءات التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة على مؤسسات الدولة والمجتمع تهدم إمكانيات تطوّر المجتمع والدولة، وتخنق حكماً ديمقراطياً مستقبلاً، ويفرغ المجتمع من إمكانات التطور والحراك والتفاعل، وغالباً تقوم بها النظم لاستدامة حكمها فترة أكبر.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".