قانون البدون... ورقة جديدة للصراع السياسي في الكويت

09 نوفمبر 2019
من تظاهرات للبدون في الكويت للمطالبة بالجنسية(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
بعد اختتام الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة الكويتي (البرلمان) يوم الثلاثاء 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ألقى فيها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح كلمة أعلن فيها بوضوح دعمه لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح ولرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في المرحلة المقبلة، وقيامهما بصياغة قوانين مشتركة لتمريرها عبر البرلمان، بدأت الصراعات الجانبية داخل مجلس الأمة بين الحكومة التي تحاول فرض رؤيتها، وما تبقّى من نواب معارضين ومستقلين.

وتمحورت هذه الصراعات حول اللجان البرلمانية الدائمة والمؤقتة، والتي تعد مفتاح السيطرة على البرلمان عبر تحكّمها في شطب الاستجوابات المقدمة لرئيس الوزراء أو تقريرها لمدى أهمية مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان لتمريرها، إذ استطاعت الحكومة انتخاب الأعضاء الموالين لها في أهم اللجان، وهما "اللجنة التشريعية" ولجنة "الأولويات البرلمانية".
لكن الخلاف الرئيسي الذي سيحتدم بين النواب المستقلين والمعارضين من جهة، والحكومة وبقية البرلمان من جهة أخرى، هو حول مشروعي قانونين تحاول الحكومة تمريرهما خلال الفترة الحالية. يتعلق مشروع القانون الأول بفئة المقيمين بصورة غير قانونية (البدون) والذين تسعى الحكومة لإنهاء مشكلتهم في الكويت بشكل نهائي، إضافة إلى قانون ثانٍ يحظر الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُستخدم لأغراض سياسية داخل الكويت.

وأعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح دور الانعقاد يوم الثلاثاء 29 أكتوبر، انتهاءه مع مجموعة من نواب البرلمان من صياغة "حل منشود بقالبه التشريعي الواضح والموائم والذي يحافظ على الهوية الكويتية"، وذلك في إشارة لقانون معالجة أزمة المقيمين بصورة غير قانونية "البدون" بشكل نهائي وجذري.
ولم يعلن الغانم عن بنود القانون بشكل رسمي، لكن تسريبات إعلامية من المعسكر الموالي لرئيس مجلس الأمة أشارت إلى تحويل البدون من "عديمي جنسية" إلى "نازحين" وعرض جنسيات تركية ومصرية وشرق أوروبية عليهم مقابل السماح لهم بالإقامة في الكويت مدى الحياة. وأعلن الغانم أنه سيلقي شرحاً مفصلاً للقانون في حشد انتخابي تابع له في ضاحية عبد الله السالم، التي تعد أحد معاقله الرئيسية، حيث سيكشف الغانم لأول مرة عن أجزاء من القانون الذي بات عنواناً للصراع البرلماني الحكومي المقبل.

واستبقت مجموعة من نواب مجلس الأمة المعارضين، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني، الخطوة بتقديم قانون مضاد لقانون الغانم، إذ قامت جمعية المحامين الكويتية بتقديم مشروع قانون مكوّن من 11 مادة يعطي صلاحيات واسعة للحكومة بتجنيس غالبية أفراد فئة البدون ومنح غير المجنسين منهم حق اللجوء إلى القضاء والتظلم فيه.
وأعلن 6 نواب تأييدهم للمقترح، لكن فرصة مرور القانون الذي تقدّمت به جمعية المحامين تبدو معدومة، وذلك بسبب سيطرة الحكومة على اللجان التشريعية التي تعد مطبخ القوانين ومفتاح عرضها على البرلمان، إضافة إلى سيطرتها على غالبية الأصوات داخل البرلمان بفعل غياب نواب المعارضة الكبار الذين صدرت بحقهم أحكام سجن بسبب اقتحامهم البرلمان عام 2011. وعلى الرغم من عدم إمكانية مرور القانون نظرياً، فإن النواب المستقلين ومنظمات المجتمع المدني يخططون لحشد الأصوات في الشارع الكويتي وإقامة الندوات والوقفات الاحتجاجية في محاولة لإفشال مشروع القانون الذي تقدّم به الغانم.


وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع اليوم ليس حول قضية البدون، بل هو حول وجود مجلس الأمة واستمراره حتى الآن، والأطراف المعادية لوجود المجلس بسبب ولائه للحكومة، وهذه الأطراف تحاول تهيئة ظروف تجبر الحكومة على الاستقالة، وبالتالي حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة، وجاء توقيت عرض قانون البدون مثالياً للجميع كي يُبدوا اعتراضهم على المجلس". وأضاف: "بالمختصر فإن قانون البدون هو عنوان لصراع كبير بين البرلمان والحكومة التي فشلت في إرضاء طموحات المواطنين، والحكومة تعلم أن الفشل في تمرير هذا القانون هو فشل لها قد يؤدي بالقيادة السياسية لإجبارها على الاستقالة".

وكان أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح قد اجتمع بوزير الداخلية خالد الجراح الصباح ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس الجهاز المركزي صالح الفضالة في يوليو/تموز الماضي، وطلب منهم تقديم حل عاجل ونهائي لقضية البدون خلال أقل من عام واحد، وذلك بسبب المشاكل الدبلوماسية التي سبّبتها هذه القضية للكويت في الخارج.

من جهة أخرى، فإن الحكومة تخطط بعد الانتهاء من قانون البدون إلى تقديم قانون آخر يحظر الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي ويعاقب مستخدميها، وذلك لدورها الكبير في نشر الشائعات، والذي أكد عليه أمير البلاد أكثر من مرة خلال خطاباته. وتحاول الحكومة التوصل إلى حل نهائي يحظر التعامل مع الحسابات الوهمية من دون توجيه انتقادات حقوقية لها، لكن هذا الحل يبدو بعيد المنال في ظل عدم وجود آلية واضحة لديها لإنهاء هذه الحسابات التي باتت وسيلة لتهديد أمن البلاد، بحسب ما تقول الحكومة.

بالمجمل، فإن مستقبل البرلمان والحكومة مرهون، بحسب ما يقول مراقبون، بقانوني البدون والحسابات الوهمية، وأي فشل في تمرير هذين القانونين اللذين أكد رئيس البرلمان على أولويتهما أمام أمير الكويت يعني أن الحكومة والبرلمان الموالي لها قد فشلا في الحصول على علامة جديدة في سجل الانتصارات السياسية التي بدأت منذ انتهاء الحراك الشعبي الكويتي عام 2015.
وعلى صعيد آخر، فإن المعارضة الشعبية التي ضعف حضورها البرلماني بفعل أحكام السجن التي صدرت بحق زعمائها، تعلم أن إفشال المشاريع الحكومية يعني إمكانية حل البرلمان وبالتالي تقديم فرصة ذهبية لها للعودة من جديد وتنظيم صفوفها خلال الانتخابات وإعادة جزء من وهجها الذي فقدته منذ أعوام.