قانون الانتخابات المحلية في العراق: صراع "التمثيل النسبي" و"الأغلبية"

06 يوليو 2019
أثير كثير من اللغط بشأن التصويت الإلكتروني(زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

ما يزال موعد انتخابات مجالس المحافظات (الحكومات المحلية) في العراق غير مؤكد، فكل المؤشرات تؤكد أنه لا انتخابات نهاية هذا العام كما كان قد تقرّر سابقاً، وأنها سترحل إلى الربع الأول من العام المقبل، وذلك بسبب خلافات حادة بين القوى السياسية على بنود ونقاط مختلفة يتضمنها مشروع القانون الجديد، تشمل طريقة احتساب أصوات الناخبين وعمر المرشح وعدد أعضاء المجلس وطريقة التصويت، يدوية أم إلكترونية. وهذه الخلافات ناجمة بطبيعة الحال عن حسابات ومصالح تتعلق بكل كتلة في البرلمان، وقد بدت فيها القوى العربية الشيعية أكثر حدة في تعاملها مع الملف، لأسباب تتعلق بتراجع ثقلها في مدن الجنوب التسع وخوفها من أن تفقد مواقعها في حكومات هذه المدن في الانتخابات المقبلة.

مسؤولون في الحكومة العراقية والبرلمان استبعدوا، في أحاديث متفرقة لـ"العربي الجديد"، إجراء انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مؤكدين أن التحضيرات ضعيفة وإقبال المواطنين على تحديث بياناتهم ضعيف جداً، والقانون ما زال محل خلاف بين القوى السياسية، وهناك إجراءات تحتاج إلى إقرار القانون للبدء بها، لذا فإن ترحيلها إلى الربع الأول من العام المقبل وارد جداً، بل مسلم به، مع التأكيد أن المجالس الحالية تبقى مجالس تصريف أعمال باعتبار انتهاء فترتها الدستورية.

ووفقاً لأحد أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان العراقي فإن هناك "أربع نقاط خلافية رئيسية بين القوى السياسية بشأن تعديل قانون الانتخابات العراقية لمجالس المحافظات، أبرزها الخلاف على القاسم الانتخابي وفقاً لطريقة سانت ليغو المعتمدة في العراق، بقاسم 1.4 أو 1.7 أو 1.9، وهي قواسم تضعف حظوظ الكتل والأحزاب الصغيرة كلما زادت وتمنحها فرصة المشاركة إذا تراجعت. بمعنى أن الأحزاب الكبيرة تريد أن يكون القاسم 1.9، كونها ستحصل على مقاعد أكثر مما لو كان القاسم الانتخابي 1.4. وهناك قوى أخرى تدعم التمثيل النسبي، والمقصود به تقسيم مقاعد مجلس المحافظة على كل حزب من الأحزاب المشاركة بحسب ما حصل عليه من أصوات لمرشحيه". وأكد أن "الأحزاب الكبيرة القلقة من تراجع شعبيتها هي من ترغب في القاسم الانتخابي المرتفع 1.9، والتيارات المدنية والكتل الصغيرة تريد القاسم 1.4 كونه سيمنحها فرصة الفوز بمقاعد بحسب الآلية المعتمدة".

يشار إلى أن طريقة "سانت ليغو" هي آلية عالمية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6 فصاعداً فإن حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة. وقال المصدر إن خلافاً نشب بين كتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري، ونواب المناطق المحررة بعد مطالبة "سائرون" بأن يكون التصويت إلكترونياً، مبيناً أن نواب المناطق المحررة يعتقدون أن التصويت الإلكتروني يضر النازحين والمهجرين، كونهم لم يحدثوا البطاقة الانتخابية.



وأثير كثير من اللغط بشأن التصويت الإلكتروني الذي طبق في الانتخابات التشريعية العراقية، التي جرت في مايو/ أيار 2018، بسبب تعطل أجهزة التصويت، والاتهامات بسهولة التلاعب بالنتائج. وفي السياق، قال عضو اللجنة القانونية عن كتلة "النهج الوطني" البرلمانية، التابعة إلى حزب "الفضيلة" حسين العقابي إن نقاط الخلاف متعددة، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن أبرزها يتعلق بمعادلة احتساب الأصوات التي تعد من أهم المشاكل، بل هي "أم المصائب" بحسب قوله. ولفت إلى وجود عدة مقترحات مطروحة لقانون الانتخابات، مبيناً أن المقترحات ستقدم إلى البرلمان للتصويت عليها. إلى ذلك، قال نائب رئيس اللجنة القانونية البرلمانية محمد الغزي، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك بعض النقاط الخلافية المتعلقة بقانون الانتخابات تم تجاوزها داخل اللجنة القانونية"، مشيراً إلى "ترحيل نقاط أخرى للتصويت في البرلمان، مزج فيها أكثر من مقترح ورد من كتل سياسية ونواب". وأضاف "ستعرض المقترحات للتصويت داخل مجلس النواب ليتم اختيار النظام الذي سيمر ويعتمد عليه في انتخاب مجالس المحافظات"، مؤكداً أن "المشكلة الرئيسية تكمن في انتخابات كركوك في ظل وجود تخوف من قبل المكونين العربي والتركماني من إجراء الانتخابات من دون تحديث سجل الناخبين". وتابع "قمنا باستضافة مفوضية الانتخابات والوزارات المختصة في جلسة سابقة، وحصلنا على بعض التطمينات من المفوضية بشأن سجلات الناخبين".

من جهته، أكّد رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب أرشد الصالحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود اجتماعات مستمرة بشأن الانتخابات في كركوك، مشيراً إلى تقديم عدة مقترحات لتدقيق سجل الناخبين، فضلاً عن مقترحات أخرى بخصوص كركوك. وقال "إذا لم نذهب إلى اتفاق، فإنه يمكن أن يصوت مجلس النواب على كافة التعديلات باستثناء كركوك التي تبقى الانتخابات فيها مرهونة بوجود اتفاق، وما زالت المفاوضات مستمرة بيننا وبين الأكراد والعرب والمفوضية"، موضحاً أن الحكومة العراقية لم تحدد آليات تشجع على العمل بها. وأضاف "للأسف توجد جهات داخل الحكومة أكدت لنا وجود فرق كبير في سجلات الناخبين، ما بين وزاره التجارة، وما بين وزارة الداخلية، لذلك لا يوجد اتفاق حتى الآن".

ويتهم عرب وتركمان كركوك الأحزاب الكردية بالتلاعب بديمغرافية المحافظة وسجلات الناخبين، خلال سنوات حكمها بين 2005 و2017. ويعتقد المحلل السياسي ياسين الشمري أن تأخير تعديل قانون الانتخابات يعود لوجود صراع واضح داخل السلطة التشريعية، مشيراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود فريقين داخل البرلمان، الأول يريد الإبقاء على نظام التمثيل النسبي المعمول به منذ أول انتخابات أجريت في عام 2005، وفريق آخر يسعى لتطبيق نظام "الأغلبية"، والذي يفترض أن يقسم العراق إلى دوائر انتخابية صغيرة يفوز فيها من يحصل على أعلى الأصوات. وفي يونيو/ حزيران الماضي، قال رئيس كتلة "سائرون" في البرلمان حسن العاقولي إن كتلته تتبنّى النظام الانتخابي المعروف بـ"الأغلبية السياسية" في انتخابات مجالس المحافظات المقرر أن تجرى نهاية العام الحالي، أو بداية 2020، مؤكداً أن النظام المقترح يضمن فوز المرشح الذي يحصل على العدد الأكبر من الأصوات في الدائرة الانتخابية، سواء كان من الرجال أو النساء، وبغض النظر عن الأحزاب والقوائم الانتخابية. وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق العام الماضي، اعتمد نظام التمثيل النسبي بآلية "سانت ليغو" المعدلة. وتسبب اعتماد هذه الآلية بجدل واسع، بعد اتهامه بهدر أصوات الأحزاب الصغيرة، ومنحها للأحزاب الكبيرة من خلال الآلية المعقدة التي يتبعها.