تعكف ثلاث قوى سياسية عراقية في بغداد منذ أسبوعين على إعداد مشروع قانون الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، والذي ينص، بحسب تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" عبر قيادات بتحالف "الفتح" و"دولة القانون"، على مغادرة كل القوات الأجنبية، بما فيها الأميركية، من البلاد بحلول نهاية العام 2019، في مهلة غير قابلة للتمديد. كما ينص مشروع القانون على إخلاء كل القواعد والمعسكرات، بما فيها إقليم كردستان العراق، الذي يضم أربع قواعد عسكرية، تضم قوات قتالية أميركية وبريطانية، عدا عن فرق استشارية وأخرى للتدريب ألمانية وفرنسية ومن دول أخرى عضو في التحالف الدولي ضد "داعش"، من أكبرها قاعدة "حرير" الجوية التي تبعد أقل من 40 كيلومتراً عن الأراضي الإيرانية، وتتبع إدارياً إلى محافظة أربيل. كما يتضمن مشروع القانون إلغاء الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية الموقعة بين واشنطن وبغداد، والتي تم بموجبها الانسحاب الأميركي من البلاد بشكل نهائي في العام 2011.
وبحسب قيادي بارز في "الفتح"، وهو التحالف الذي يمثل الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي"، فإنه من المرجح أن يتم تقديم مشروع القانون، الذي يعكف على كتابته أعضاء وخبراء في القانون من كتل "الفتح" و"دولة القانون" و"حزب الفضيلة"، وأيدهم أخيراً تحالف "سائرون" بشقه الصدري فقط، بعد انتهاء أزمة تشكيل الحكومة، وبدء رئيسها عادل عبد المهدي تنفيذ بنود برنامجه الحكومي. وحصل مشروع القانون على تأييد نحو 150 نائباً من أصل 329، إذ تتحفظ عليه الكتل السنية والكردية ونواب الأقليات، فيما يتوقع أن تكون هناك ضغوط على بعض القوى السنية من أجل التصويت لصالح مشروع القانون، الذي يحتاج لتمريره النصف + 1. وقال القيادي، لـ"العربي الجديد"، إن "مسودة مشروع القانون ستكون جاهزة في غضون شهرين من الآن"، موضحاً أن "الهدف منه هو إخراج القوات الأميركية من العراق بشكل نهائي".
في المقابل، قالت مصادر سياسية، بينها مستشار في ديوان الرئاسة العراقية، تحدث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من بغداد، إن "مشروع القانون سيكون للابتزاز فقط، وهو مرتبط بالتنافس الأميركي الإيراني داخل العراق، إذ يتوقع أن يكون ورقة مساومة بيد الإيرانيين بوجه الأميركيين، بمعنى استثناء العراق من العقوبات الأميركية على ايران أو تقديم مشروع القانون للبرلمان، وهناك أكثرية تدعمه". وأشار المستشار إلى أن "موافقة الأميركيين على استثناء العراق تعني بقاء القانون في أدراج الكتل السياسية القريبة من إيران، التي ستستخدمه متى استدعت الحاجة". ويمتلك العراق تبادلاً تجارياً مع إيران يبلغ 12 مليار دولار سنوياً بحسب الأرقام الرسمية المعلنة، عدا عن نشاط التبادل المالي، إذ توجد بنوك إيرانية في البلاد. وقال خبراء عراقيون معنيون بالملف المالي إن نحو 20 في المائة من العملة الصعبة التي تباع بالمزاد العام للبنك المركزي العراقي، والبالغ معدلها نحو 140 مليون دولار يومياً، للشركات والبنوك تتسرب إلى إيران عبر التهريب أو تحت غطاء التبادل التجاري والحوالات المالية.
وقال النائب عن تحالف "الفتح"، كريم عليوي، إن النواب سيقاتلون لإخراج الأميركيين. وأوضح عليوي، في تصريحات لموقع إخباري عراقي، أن "الولايات المتحدة تبني قواعد مختلفة في العراق، والبرلمان سيتحرك بشكل فاعل لتشريع قانون ينهي الوجود الأميركي في البلاد". وأضاف "سنقاتل في مجلس النواب من أجل إخراج القوات الأميركية من العراق، كما قاتلنا مع الحشد الشعبي ضد داعش وأخرجناه من العراق"، معتبراً أن الوجود الأميركي "يمثل تهديداً لمحور المقاومة والحشد الشعبي". في المقابل، أوضح عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية وأحد أعضاء تحالف "البناء"، المدعوم من طهران، النائب عباس الزاملي، أن "النظرة المشتركة لأغلب أعضاء البرلمان الحالي هي عدم الحاجة للقوات الأجنبية بغض النظر عن جنسيتها، وهم مع عدم تواجدها في العراق". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الطرح هو الموجود حالياً بالبرلمان، وأعتقد أنه في حال لم تنجح جهود إخراجهم دبلوماسياً سيصار إلى تقديم مشروع القانون إلى البرلمان".
وأوضح القيادي في تحالف "الإصلاح"، رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك توجهات برلمانية حيال إخراج القوات الأجنبية، لكن لم تصل، حتى الآن، لمرحلة الإجراءات". وأضاف "أعتقد أنه سيتم طرح هذا الموضوع على البرلمان قريباً بسبب الوضع السياسي في العراق وارتباط الموضوع بأجندات خارجية، بالإضافة إلى وجود جهات سياسية لها تأثير واضح في البرلمان"، مؤكداً أن "تلك التأثيرات سيكون لها دور كبير في الموضوع، وليس الحكومة التي يجب أن تقول إنها بحاجة للقوات الأجنبية أو لا". وأكد عضو التيار المدني العراقي والناشط السياسي في بغداد، أحمد السعدي، أن "المشروع الحالي لإخراج القوات الأجنبية يقصد منه إخراج الأميركيين بالدرجة الأولى، وهو بالنهاية مشروع إيراني تقدمه القوى التابعة لها بالعراق". وقال، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد عراقي يرغب برؤية قوات أجنبية دخيلة في بلده، لكن الموضوع سياسي وخارجي، وليس وطنيا كما تحاول تلك القوى تصويره"، معتبراً أن "الخطورة في الموضوع هي إدخال الملف الأمني في الصراع الإيراني الأميركي بالعراق، وهو ما يعني أن الطرفين سيستخدمان أوراقهما على الأرض، وبالمحصلة دماء العراقيين ستكون وقوداً لها".
وأوضح أستاذ القانون الدولي بجامعة صلاح الدين، الدكتور محمد البصري، أن الحل يكون "بإرسال رئيس الحكومة تقريراً سرياً للبرلمان، بناءً على طلب استيضاح من البرلمان نفسه، يتضمن شرحاً وافياً لقدرات القوات العراقية ومدى إمكانية أن تعتمد على نفسها وعدم الحاجة لأي دعم أجنبي، يقوم بعدها البرلمان بالتصويت على ضوء هذا التقرير بعد مناقشته بجلسة غير علنية". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "إعداد مثل هذه التقارير يفوم به قادة ميدانيون وضباط أركان الجيش ومدراء وقادة الشرطة في كافة المحافظات، بمعنى أنه فني وليس سياسيا. لكن في حالة العراق اليوم، وما تمر به العملية السياسية من أزمات وسيطرة كبيرة للمعسكر الموالي لإيران في البرلمان، فإن تمرير مشروع القانون ممكن للغاية، خصوصاً إذا ما علمنا بأن الأميركيين يشعرون بانزعاج كبير من إحالة عبد المهدي، بعد تسلمه المنصب بأيام قليلة، أبرز أصدقائهم من قادة الجيش إلى التقاعد"، وذلك في إشارة إلى قائد القوات البرية، الفريق الركن رياض توفيق، ومعاون رئيس أركان الجيش، الفريق مرضي المحلاوي، وكذلك قادة في جهاز مكافحة الإرهاب، بينهم عبد الغني الأسدي وسامي العارضي، وقائد عمليات ديالى، مزهر العزاوي، بالإضافة إلى 68 ضابطاً من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية، بحجة وصولهم للسن القانونية للتقاعد.