خسارة الليرة قيمتها الشرائية فاقم مصاعب المعيشة (فرانس برس)
03 يوليو 2020
+ الخط -

يُعد تقنين الخبز وتوزيعه عبر "البطاقة الذكية" لحسب أفراد الأسرة، والدخل الشهري المناهز 50 ألف ليرة مع متوسط إنفاق الأسرة عند نحو 500 ألف ليرة، مؤشرين كافيين لتشخيص الوضع المعيشي ومعاناة السوريين التي تخطت نسبة فقرهم 90%، فاضطروا لبيع ممتلكاتهم من أجل للاستمرار على قيد الحياة، بعدما تضاعفت الأسعار أكثر من 35 مرة منذ عام 2011.

هكذا بدأ الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح، توصيف أزمة الغذاء التي يعانيها السوريون منذ 9 أعوام، لكنها برأيه "استفحلت هذا العام لأسباب عديدة حتى وضعت غالبية السوريين في قائمة الجياع، باحتساب خط الفقر على أساس دولارين في اليوم".

وحول أسباب تردي الواقع المعيشي وتفشي الفقر والجوع في بلد كان يوصف بخزان القمح والخضر والفواكه، يقول الرجل إن هناك أسباباً عديدة، منها ما  يرتبط بحرب النظام على الثورة ومطالب الشعب وما أدت إليه من تهديم للبنى التحتية والاقتصادية، ولا سيما الزراعية والصناعية، وبالتالي تراجع إنتاج القمح من 4.5 ملايين طن قمح إلى نحو 1.5 مليون طن، على سبيل المثال، وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون والحمضيات والخضر، تزامناً مع تبديد الموارد وأهمها الاحتياطي من النقدي الأجنبي الذي كان يقترب من 20 مليار دولار.

وثمة عامل مرتبط بتثبيت الأجور وسط تضخم نقدي هائل تراجعت خلاله قيمة الليرة 50 مرة بموازاة غلاء فاحش للأسعار، بخاصة خلال العام الجاري بعدما تراجع سعر صرف الليرة من نحو 900 مقابل الدولار إلى أكثر من 2600 ليرة.

وتسهم في تردي الحال أيضاً أسباب أخرى، بحسب المصبح، ومنها ما يتعلق بتراجع موارد الدولة بعد تحول الميزان النفطي إلى خاسر ، وشلل السياحة والتجارة الخارجية والصناعة، ومنها ما هو سياسي يرتبط بالحصار الاقتصادي المفروض منذ عام 2011 والذي من المتوقع أن يشتد بعد بدء تطبيق قانون "قيصر" الذي تزعم الدعاية الأميركية أنه يستهدف النظام في حين أن الشعب هو من سيدفع الثمن وفق مؤشرات الحزمة الأولى.

وحول الحلول لانتشال السوريين من مجاعة يراها مراقبون ماثلة، يؤكد الاقتصادي السوري أنه "لا يوجد أي حل واقعي إلا بعد اقتلاع النظام والبدء ببناء دولة ديمقراطية تنهي الاحتلال وفكرة مزرعة الأسد وتحول السوريين من رعايا إلى مواطنين يشاركون في صياغة سياسات بلدهم ويحصلون على حقوقهم بتوزيع الثروة بعدالة وحرية".

وكان برنامج الأغذية العالمية التابع للأمم المتحدة، حذر في الآونة الأخيرة من أزمة غذاء غير مسبوقة في سورية، وسط توقعات بتسارع تفشي "وباء كورونا ". وقالت المتحدثة باسم البرنامج، إليزابيث بايرز، إن 9.3 ملايين سوري يفتقرون إلى الغذاء الكافي، بعد موجة الغلاء هذا العام وانضمام 1.4 مليون مواطن إلى دائرة الفقراء.

من جهتها، قالت المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي في سورية، كورين فليشر، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إن "حوالى 9.3 ملايين سوري يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن سعر سلة الغذاء التي كانت تكلفتها 4 آلاف ليرة سورية قبل "الصراع" بلغ حالياً 76 ألف ليرة، ما اضطر العائلات إلى اتخاذ تدابير يائسة من خفض وجبات الطعام وتقليل حصص بيع الأصول والغرق في الديون.

وأشارت مديرة برنامج الأغذية إن أسعار الأغذية لم تكن قط بمثل هذا الغلاء الفاحش الذي هي عليه الآن، وإنها أعلى من أعلى مستوى بلغته خلال السنوات التسع الماضية من الحرب.

وأشارت إلى الأحاديث التي تسمعها من السوريين العاديين حول عجزهم عن تحمل فاتورة شراء الغذاء، وأنهم لم يعودوا يفكرون في شراء أجهزة تلفاز ولا أحذية رياضية، بل إن تفكيرهم وجهدهم كله منصب على تأمين لقمة الطعام، لافتة إلى أن الآباء لم يعد بمقدورهم إطعام أطفالهم، إنهم يقننون لهم الوجبات، ويبيعون ممتلكاتهم من أجل إطعامهم.

ويزيد مخاطر المجاعة في سورية غلاء الدواء ونفاده من الصيدليات، بحسب ما يقول الطبيب إبراهيم شحود لـ"العربي الجديد"، بخاصة بعد توقف النظام عن تمويل مستوردات الأدوية والمواد الداخلة بصناعة الدواء ورفع دولار المستوردات من 700 إلى 1250 ليرة.

ويؤكد الطبيب السوري أن أدوية الأمراض المزمنة والخطرة، نفدت حتى من المشافي الحكومية بعد توقف أكثر من 60 منشأة عن تصنيع الدواء "وأسعار الأدوية المهربة من لبنان تفوق وبكثير قدرة المرضى الشرائية"، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية تراوح بين 600% و3000% وكان أعلاها خلال الأشهر الأخيرة.

90 % تحت خط الفقر

وفي السياق ذاته، قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية، أكجمال ماجتيموفا، إن 90٪ من سكان سورية يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وإن أقل من نصف المستشفيات العامة في سورية تعمل، بينما فر نصف العاملين في المجال الطبي منذ 2011، فيما يواجه الباقون تهديدًا دائمًا بالخطف والقتل.

ولا تقتصر مشاهد جوع السوريين على الداخل، بحسب العامل بالشأن الإغاثي محمود عبد الرحمن، فظروف اللاجئين في دول الجوار لا تقل سوءاً عن 6.6 ملاييين نازح تركوا بيوتهم داخل سورية " فظروف مليون لاجئ سوري بلنان مزرية وأكثر من 80% منهم يعاني من الفقر المدقع".

ويفرّق عبد الرحمن في تصريحه لـ"العربي الجديد" بين اللاجئين في دول الجوار، فما يقال عن لبنان لا ينسحب على الأردن التي تستضيف أكثر من 600 ألف سوري، رغم معاناة اللاجئين بالمخيمات والزعتري أولها، كما أن العدد الأكبر بتركيا، نحو 3.5 ملايين سوري، يعيشون في ظروف متوسطة، لكنها ساءت بعد حجر كورونا وخروج السوريين من المخيمات إلى المدن.

ويطلق الإغاثي السوري عبر "العربي الجديد" صرخة استغاثة للعالم المتحضر على حسب تعبيره، بأن ينظر لسبب آلام السوريين ويحاول إزالة النظام وأن يوصل المساعدات إلى السوريين ولا يصغي لشكايات الدول المضيفة التي يتسوّل بعضها باسم اللاجئين".

ومع تراجع منسوب أمل السوريين بانفراج سياسي ينهي حكم نظام الأسد الممتد منذ عام 1970 وما يصفونه بالتخاذل الدولي، يتحدث الاقتصادي السوري حسين جميل لـ"العربي الجديد" عن الحلول الممكنة لإبعاد السوريين عن مجاعة فيقول إن "الحل سياسي أولاً وأخيراً عبر إنهاء حكم الأسد بأي طريقة ووقف سرقة ثروات السوريين من خلال روسيا وإيران والولايات المتحدة والبدء بحلول ديمقراطية يختارها الشعب"، ولكن لا يوجد نية دولية، خاصة لدى روسيا الآن، باتخاذ هكذا خطوات.

ويتابع الاقتصادي السوري لـ"العربي الجديد" أما إذا تجاهلنا هذا الحل الحقيقي والوحيد، فيمكن لنظام بشار الأسد أن يستعيد جزءاً من أموال السوريين المنهوبة ويضخه بالأسواق، فيتحسن سعر الليرة ولو نسبياً، ويتوقف بالوقت نفسه عن ضخ العملة السورية "تمويل بالعجز" بالأسواق من دون أي معادل سواء بالعملات أو المعادن أو الإنتاج. وبالتوازي، يزيد الرواتب والأجور ويدعم التجارة الخارجية ليتم استيراد مستلزمات الإنتاج وخاصة الزراعي، بهذه الحلول "التي لا نتوقع أن يقدم الأسد عليها" يمكن أن يتحسن الوضع المعيشي للسوريين، وإلا، فستشهد سورية والسوريون، بعد تطبيق الحزمات المقبل من قانون قيصر، أزمات ومجاعة ربما لم يسجلها التاريخ.

المساهمون