يحمل القانون الذي أقره الكنيست، ليل الثلاثاء الأربعاء، تحت عنوان قانون "الإبعاد"، الذي يجيز إبعاد عضو من أعضاء الكنيست على الرغم من انتخابه من الشعب، أبعاداً خطيرة تهدد مستقبل طبيعة وجوهر العمل السياسي للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة. ويفرض على هذا العمل قيوداً إسرائيلية لم تكن موجودة في السابق، ويشكل محاولة، متأخرة، "لتصحيح خطأ" رفع نسبة الحسم في الانتخابات السابقة، الذي هدف إلى إسقاط الأحزاب العربية، لكنه أدى إلى تحالفها في قائمة مشتركة تمكنت من إدخال 13 عضواً إلى الكنيست.
وجاء هذا القانون بالأساس بناء على مبادرة من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بهدف إبعاد نواب التجمع الوطني من الكنيست، ولاسيما بعد لقائهم في شهر فبراير/شباط الماضي عوائلَ شهداء القدس، الذين يرفض الاحتلال تسليم جثامينهم لأهاليهم. ويندرج في إطار استكمال حملة التحريض التي يقودها نتنياهو نفسه ضد نواب حزب "التجمع الوطني" وهم، باسل غطاس، وحنين زعبي، وجمال زحالقة، بحجة أنهم غير جديرين أن يكونوا في الكنيست. إلا أن القانون جاء في صيغته النهائية كقانون يردع النشاط المستقبلي للنواب العرب، ويكرس حدوداً لا يحق لهم تجاوزها، سواء على مستوى الأداء البرلماني العملي أم على مستوى التصريح والتعبير عن الرأي.
ومع أن الشرط الذي يتحدث عن عدم سريان القانون على الأفعال والتصريحات التي سبقت عملية سنّه، يعني في واقع النواب العرب، وخاصة نواب التجمع الوطني، وتحديداً، النائب، حنين زعبي، عدم توفر دليل أو سبب لتقديم طلب بإبعادهم عن الكنيست حالياً، إلا أنه يشكل في واقع الحال نوعاً من السيف المسلط على رؤوسهم وتهديد متواصل لهم، أنهم في حال أصروا في المستقبل على تكرار نفس المواقف، لاسيما التشديد على أن مقاومة الاحتلال حق وأن المقاومة شيء شرعي، فإنهم والحالة هذه يعرضون أنفسهم لخطر تقديم شكاوى ضدهم لطلب عزلهم من الكنيست.
وهذا التطور يعني في سياق الخطاب الفاشي والعنصرية المتفاقمة في إسرائيل، بقاء النواب العرب رهائن نزوات اليمين الإسرائيلي ونوابه، وعرضة لحملات التحريض الفاشي ضدهم عند كل تصريح أو موقف يعبرون عنه ضد الاحتلال، أو تأييداً للانتفاضة الفلسطينية، أو لحق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال. ومن شأن هذا الوضع أن يؤدي إلى شل نشاط النواب العرب في هذا المجال، لاسيما في حال مضت حكومة الاحتلال قدماً في تشريع قانون ينص على أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي. وبالتالي فإن كل من يريد ترشيح نفسه للكنيست، عليه أن يعترف بإسرائيل دولة يهودية، مما يعني عندها شطب الأحزاب العربية الرافضة لهذا الموقف، وفي مقدمتها حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان أسسه عزمي بشارة، وتزعمه حتى خروجه للمنفى القسري في العام 2007، إضافة إلى الحركة الإسلامية الجنوبية.
في غضون ذلك، انتقد مركز "عدالة"، المركز القانوني لحقوق الفلسطينيين في إسرائيل، قانون "الإبعاد"، معتبراً أنه "يمس بشكل خطير أحد الحقوق الأساسية في المجتمع الديمقراطي، وهو حق الانتخاب والترشح". وأضاف: "لا شك أن القانون يهدف إلى إقصاء أعضاء الكنيست العرب الذين يتجرأون على تجاوز حدود النشاطات التي ترسمها لهم الغالبية اليهودية، وبذلك يتم إخفاء الخطاب المختلف للجمهور العربي الفلسطيني، ويضاف القانون إلى القرار بإخراج الحركة الإٍسلامية خارج القانون، وإلى عدد من القوانين التي سنت في السنوات الأخيرة، مثل قانون رفع نسبة الحسم، وقانون النكبة وقانون المقاطعة، والتي تسعى في جوهرها، وبأشكال مختلفة، إلى تكميم أفواه المواطنين العرب"، كما جاء في بيان مركز "عدالة".
وينضم هذا القانون، أيضاً، إلى سلسلة من القوانين التي تسعى لتجريم النشاط السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، مثل قانون حظر إحياء ذكرى النكبة في الهيئات المحلية العربية، وأخيراً القانون الذي يفرض عقوبة السجن لسنوات طويلة على كل من يحاول الضغط على الشباب العرب المتطوعين لجيش الاحتلال، بالعدول عن الخدمة العسكرية فيه، أو من ينشط ضد الخدمة الوطنية في هذا الجيش.
وفي سياق فرض القيود على نشاط النواب العرب في الكنيست، كان نتنياهو أصدر أوامر واضحة وقطعية، أوعز بها للشرطة الإسرائيلية بمنع دخول النواب العرب إلى المسجد الأقصى، منذ أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، متذرعاً بأنهم يلهبون المشاعر ويحرضون على العنف.