قاضي "تيار الاستقلال" أحمد سليمان... حبسه السيسي بسبب "مداخلة تلفزيونية"

06 ديسمبر 2018
رفض سليمان مغادرة مصر منذ وقوع الانقلاب(تويتر)
+ الخط -

لم يكترث نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بسن وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان، وحالته الصحية، أو مواقفه المشرفة من وطنه، ورفضه الخروج من البلاد في أعقاب الانقلاب، كونه أحد رموز تيار استقلال القضاء، وزجّ به في غياهب السجن بتهم ملفقة عقاباً على معارضته له، ليلحق بعشرات الآلاف من المعارضين في سجون النظام.

وقررت نيابة أمن الدولة العليا، أمس، حبس سليمان 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بعد توجيه اتهامات له بـ"الانتماء إلى جماعة أسست على خلاف القانون، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام، والترويج لأغراض جماعة الإخوان التي تستهدف زعزعة الثقة في الدولة ومؤسساتها، والتواصل مع قنوات معادية لها"، على خلفية مداخلاته الهاتفية مع بعض القنوات المعارضة من الخارج.

واقتحمت قوة من الشرطة المصرية منزل الوزير الأسبق بمحافظة المنيا، جنوب البلاد، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، واعتقلته بدعوى صدور أمر ضبط وإحضار من النائب العام، المستشار نبيل صادق، علماً بأن سليمان غير مدانٍ في أي قضايا جنائية أو سياسية، وحالته الصحية سيئة للغاية بسبب إجرائه عملية جراحية دقيقة أخيراً، ما يشكل خطورة على حياته بسبب ظروف الاحتجاز اللاآدمية في مصر.

وُلد سليمان عام 1950، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1972، والتحق بالنيابة العامة فور تخرجه، وعُين وكيلاً للنائب العام في نيابات صدفا بأسيوط، ونيابة المنيا الكلية وبندر المنيا، والفقش ببني سويف، قبل أن يحصل على الماجستير في الشريعة والقانون عام 1977، ويلتحق بسلك القضاء مع مشارف عام 1981، ويعمل مستشاراً بمحاكم استئناف بني سويف وقنا والقاهرة.

رفض مغادرة مصر منذ وقوع الانقلاب

ولم يغادر سليمان مصر مطلقاً منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول، محمد مرسي، رغم صدور حكم من القضاء الإداري، برفع اسمه من قوائم المنع من السفر، وهو أحد رموز تيار الاستقلال بنادي القضاة، وشغل منصب رئيس نادي قضاة المنيا فترتين، الأولى في العام 2002 وحتى العام 2004، والثانية في 2011 وحتى تعيينه وزيراً للعدل عام 2013، كما عمل مستشاراً بمحكمة استئناف أسيوط، وتمت إعارته ليعمل قاضياً في دولة الإمارات.

وتولى سليمان منصب وزير العدل في السابع من مايو/أيار 2013، خلفاً للمستشار أحمد مكي، وكان يشغل حينها منصب مساعد وزير العدل لشؤون الدراسات القضائية، وذلك قبيل نحو شهرين من انقلاب الجيش على مرسي، ليتحمل أعباء الوزارة في ظروف شديدة الحساسية، والتي كان يترأس خلالها نادي القضاة، المستشار أحمد الزند، الذي لعب دور رأس الحربة في تأجيج القضاة ضد الرئيس مرسي.

ورفض سليمان دعوة الزند لمقاطعة القضاة الإشراف على الاستفتاء الشعبي لدستور 2012، باعتباره التزاماً دستورياً، وواجباً وطنياً، وهاجم الجمعية العمومية لنادي القضاة لموقفها الرافض المشاركة في الاستفتاء، قائلاً: "إنها لا تعبر عن القضاة، وقراراتها غير ملزمة، كون الجمعية لم تكن مقصورة على القضاة فقط، بل حضرها مختلف طوائف المجتمع من فنانين وسياسيين وشخصيات عامة".

وفي 25 فبراير/شباط 2016، كلف النائب العام المصري نيابات استئناف القاهرة بالتحقيق في البلاغ المقدم من سليمان ضد وزير العدل السابق، المستشار أحمد الزند، والذي يتهمه بالسب والقذف والتشهير المتكرر به عبر وسائل الإعلام، مستشهداً بحديث الأخير مع الإعلامي أحمد موسى، وادعائه كذباً أنه قد أصدر حركة تعيينات في آخر أيام عمله بالوزارة، تضمنت تعيين 45 شخصاً من أبناء قريته، على خلاف الحقيقة.

ويرى سليمان أن الأحكام الصادرة في قضايا الإرهاب خالف أغلبها أبسط مبادئ القانون، "فأهدرت حقوق الدفاع، وبنت إدانتها على محاضر التحريات، ولم تحقق الدفاع الجوهري الذي أبداه الخصوم، ثم اتجهت إلى الحكم بأقصى العقوبة، كما قضت بالإدانة استناداً إلى مواد مطعون عليها بعدم الدستورية، وهو ما أساء إلى سمعة القضاء المصري إساءة بالغة في الداخل والخارج".

وفي أعقاب صدور قرار بعزل 15 قاضياً عام 2016، تداولت منصات مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر سليمان وهو يبكي بشدة، قائلاً: "ليست هناك عدالة، فالعدالة ماتت في مصر"، مستدركاً: "لم أكن من بين الشرفاء المحكوم عليهم، ولكن هذا التأثر مرجعه شيوع الظلم، وضياع العدالة في مصر... ليس بالنسبة إلى القضاة فحسب، بل في المحاكمات كذلك، لأن القضايا في مصر ملفقة".

وفي 28 مارس/آذار 2017، قضت محكمة النقض برفض الدعوى المقامة من سليمان ضد رئيس الجمهورية، ووزير العدل، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، والتي طالب فيها بإلزامهم بإصدار قرار بعودته إلى العمل بمنصة القضاء، مستنداً في دعواه إلى القواعد التي وضعها مجلس القضاء الأعلى في 3 فبراير/شباط 2003 لإعادة التعيين في القضاء بعد ترك منصب السلطة التنفيذية، وهو ما ينطبق على حالته القانونية.

ووصف سليمان حكم النقض بأنه "مسيس بامتياز" لصدوره بناءً على بواعث شخصية محضة، وانتفاء كافة الموانع التي تمنع عودته إلى منصة القضاء، مستشهداً بموافقة المحكمة ذاتها على عودة محافظ الشرقية السابق، المستشار حسن النجار، إلى منصة القضاء، في حين رفض طلب عودته بعدها بأسبوع واحد من تشكيل المحكمة ذاتها رغم انطباق كافة الشروط عليه.

وشدد سليمان على أن منظومة العدالة "اختلت اختلالاً رهيباً بعد الانقلاب العسكري، وبات القضاء أداة انتقام بيد السلطة التنفيذية في البلاد"، معتبراً أن الإصرار على إقصائه وغيره من منظومة القضاء "يدل على أن النظام الحالي بات مذعوراً من كل شخص قادر على قول كلمة الحق، ومنزعجاً بشكل خاص من أن تصدر كلمة الحق من قضاة، لما لكلمتهم من أثر في الداخل والخارج".

ودان سليمان تعديل مجلس النواب قانون السلطة القضائية، والذي جعل اختيار رئيس كل هيئة قضائية بيد رئيس الجمهورية، خلافاً لمبدأ الأقدمية الراسخ في القضاء المصري، الأمر الذي يشكل تدخلاً من السلطة التنفيذية في شؤون القضاة، وينال من استقلالهم، فضلاً عن مخالفته مواد الدستور التي يختص بها مجلس القضاء الأعلى وذلك بالنظر في كل ما يتعلق بتعيين وترقية وندب ونقل وإعارة رجال القضاء والنيابة العامة.

خطاب إلى مرسي

وفي حوار أجراه مع "العربي الجديد" في مايو/أيار 2014، كشف سليمان إرساله خطاباً رسمياً إلى مرسي قبل الانقلاب عليه، يشكو فيه من تواطؤ أجهزة سيادية، وامتناعها عن تقديم معلومات وأدلة تدين رموز نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وهو ما أدى إلى حصول معظمهم على أحكام بالبراءة، متهماً القضاة الذين يصدرون أحكاماً مجحفة ضد رافضي الانقلاب بـ"ارتكاب جرائم جنائية ودستورية لا تسقط بالتقادم".

وأفاد سليمان بأن التخطيط لإفشال مرسي بدأ منذ اليوم الأول لدخوله القصر الرئاسي، كون الأجهزة التنفيذية رفضت التعاون معه، وكانت الوزارات تعطيه بيانات وتحريات وأرقاماً مغلوطة، مشدداً على حقيقة وجود "دولة عميقة"، ظهرت في القضاء بقيادة المستشار الزند، والذي قال صراحة إنه سيشتغل بالسياسة، وطالب القضاة بالاشتغال بالسياسة، على الرغم من أنه محظور على القضاة.

واتهم سليمان السيسي بأنه "لا يعرف للدماء حرمة"، قائلاً في مداخلة سابقة على قناة "الشرق" الفضائية: "السيسي جاء بالبندقية والدبابة، وما حدث إجرام منقطع النظير لم تشهده مصر في تاريخها"، منتقداً مخالفة مجلس النواب للدستور، سواء بالموافقة على ميزانية الدولة رغم أنها مخالفة لمخصصات التعليم والصحة، أو إصدار تعديل يمنح القضاء العادي حق الفصل في إشكالات التنفيذ التي تقام طعناً على أحكام مجلس الدولة.

المساهمون