أعلن قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، اليوم الثلاثاء، تمسكه برئيس الدولة عبد القادر بن صالح ودعمه لحكومة نور الدين بدوي، داعياً إلى ضرورة الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في الرابع يوليو/ تموز المقبل. كذلك وجّه انتقادات لقرار قوى المعارضة السياسية مقاطعة ندوة المشاورات السياسية التي جرت يوم الاثنين ودعا إليها بن صالح، واعترض على ملاحقة المتظاهرين للوزراء.
ووصف قائد الجيش الجزائري قوى المعارضة السياسية "بالأصوات المتعنتة"، وقال في خطاب ألقاه أمام قيادات عسكرية في منطقة البليدة قرب العاصمة الجزائرية إنه تم "تسجيل أصوات لا تبغي الخير للجزائر تدعو إلى التعنت والتمسك بنفس المواقف المسبقة، دون الأخذ بعين الاعتبار لكل ما تحقق، ورفض كل المبادرات ومقاطعة كل الخطوات".
وكان صالح يتوجه بانتقاداته إلى قوى المعارضة التي رفضت دعوة بن صالح للحوار والمشاركة في ندوة المشاورات السياسية التي غاب عنها بن صالح نفسه، وهو موقف حقق إجماعاً سياسياً التزمت به قوى المعارضة وجزء مهم من قوى الموالاة، بما فيها حزب "جبهة التحرير الوطني".
وأبدى المسؤول العسكري تمسكاً بتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، محذراً من إمكانية أن تدفع هذه المواقف بالجزائر إلى حالة فراغ دستوري وفوضى. وقال في كلمته في هذا الصدد "كل هذا يؤكد أن هذه الأصوات والمواقف المتعنتة تعمل على الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري والدخول في دوامة العنف والفوضى، وهو ما يرفضه أي مواطن مخلص لوطنه ويرفضه الجيش قطعاً". وأضاف قائلاً: "لهؤلاء نقول إن الشعب الجزائري سيد في قراراته وهو من سيفصل في الأمر عند انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، الذي تكون له الشرعية اللازمة لتحقيق ما تبقى من مطالب الشعب المشروعة".
وفي حال تم تأجيل الانتخابات الرئاسية، مثلما اقترحت الرئاسة أمس، فإن الجزائر ستكون أمام فراغ دستوري، على اعتبار أن العهدة الدستورية خلال الفترة الانتقالية لبن صالح المحددة بـ90 يوماً تنتهي في التاسع من يوليو/ تموز المقبل، ولن تكون له أية صلاحية دستورية بعد ذلك.
وكشف قائد أركان الجيش الجزائري وجود مؤامرة لوضع البلاد في حالة فراغ دستوري تعود إلى عام 2015، من دون أن يقدم توضيحات بشأن الأطراف التي تقف خلفها. وقال "بلادنا طالما كانت مستهدفة وعُرضة للمؤامرات الدنيئة، لزعزعة استقرارها وتهديد أمنها، جراء مواقفها الثابتة وقرارها السيد الرافض لكل الإملاءات، وقد توصلنا إلى معلومات مؤكدة حول التخطيط الخبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد، الذي تعود بوادره إلى سنة 2015، حيث تم كشف خيوط هذه المؤامرة وخلفياتها".
واستطرد قائلاً "نعمل بكل هدوء وصبر على تفكيك الألغام التي زرعها أولئك الفاسدون المفسدون في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، وسيتم تطهير هذه القطاعات بفضل تضافر جهود كافة الخيرين، ثم بفضل وعي الشعب الجزائري وجاهزية الجيش الحريص على استرجاع هيبة الدولة ومصداقية المؤسسات وسيرها الطبيعي".
ويفهم من تصريحات قائد الأركان الجيش توجهه بالاتهام بالتخطيط لإحداث فراغ دستوري في عام 2015، إلى القائد السابق للمخابرات الفريق محمد مدين، والذي أقاله الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، من منصبه بصورة مفاجئة في سبتمبر/ أيلول 2015.
وجدد صالح تحذيراته من أن "استمرار هذا الوضع ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل"، ودعا الشعب إلى اتخاذ كل أسباب الحيطة والحذر في ظل هذه الظروف. وخاطب الجزائريين قائلاً "ما تصبون إليه من خلال هبّتكم الشعبية، التي باركناها وباركنا غاياتها السامية، تقتضي منا جميعاً التبصر والحكمة لإجهاض ما يُدبر ضد وطننا من دسائس"، مشدداً على ضرورة الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي. وقال في هذا الإطار "أجدد دعوتكم إلى مزيد من الفطنة والحرص لكي تحافظ مسيراتكم على سلميتها وحضاريتها، وذلك بالعمل على تأطيرها وتنظيمها، بما يحميها من أي اختراق أو انزلاق، كما كان الحال بمسيرات الجمعة الفارطة التي تميزت بالهدوء والسكينة، وبذلك نفوت الفرصة معاً، ككل مرة، على المتربصين بأمن وطننا واستقراره".
وعبّر قائد الجيش عن القلق من ظاهرة ملاحقة المتظاهرين والمواطنين للوزراء والمسؤولين ومنعهم من القيام بمهامهم. وقال "وجب التنبيه إلى الظاهرة الغريبة المتمثلة في التحريض على عرقلة عمل مؤسسات الدولة ومنع المسؤولين من أداء مهامهم، وهي تصرفات منافية لقوانين الجمهورية لا يقبلها الشعب الجزائري الغيور على مؤسسات بلده ولا يقبلها الجيش، الذي التزم بمرافقة هذه المؤسسات وفقاً للدستور". كذلك أشار إلى أنه يتوجب تلافي "الوقوع في فخ التعميم وإصدار الأحكام المسبقة على نزاهة وإخلاص إطارات الدولة، الذين يوجد من بينهم الكثير من المخلصين والشرفاء والأوفياء، الحريصين على ضمان استمرارية مؤسسات الدولة وضمان سير الشأن العام خدمةً لمصالح المواطنين، فالجزائر تمتلك كفاءات مخلصة من أبنائها في كل القطاعات".
وكان قائد الجيش يشير إلى ملاحقة ومنع عدد من الوزراء من تفقد وتدشين بعض المشاريع القطاعية والخدمية، حيث لاحق متظاهرون أمس وزير الموارد المائية علي حمام في ولاية سطيف شرقي الجزائر. ولاحق متظاهرون الأسبوع الماضي وزيرة الثقافة الجزائرية مريم مرداسي عندما كانت في زيارة إلى ولاية تيبازة، 70 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية. ورفض سكان ولاية تبسة زيارة وزير الطاقة عرقاب. وقبل ذلك تعرض ثلاثة من وزراء حكومة بدوي، هم وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، والموارد المائية، والسكن كمال بلجود خلال زيارتهم إلى ولاية بشار جنوبي الجزائر لملاحقة من قبل متظاهرين. وتعرض وزير الأشغال العمومية والنقل مصطفى كورابة لاحتجاجات من قبل المواطنين في العاصمة الجزائرية.
وتعهد قائد الأركان باستمرار الجيش في مرافقة الشعب حتى تحقيق تطلعاته المشروعة، وثمن حملة مكافحة الفساد التي تقوم بها العدالة وفتح قضايا الفساد ونهب المال العام. وقال "أثمن استجابة جهاز العدالة لهذا النداء الذي جسّد جانباً مهماً من المطالب المشروعة للجزائريين، وهو ما من شأنه تطمين الشعب بأن أمواله المنهوبة ستسترجع بقوة القانون وبالصرامة اللازمة، حيث كنت قد دعوت جهاز العدالة في مداخلتي السابقة إلى أن يسرع من وتيرة متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبة كل من امتدت يده إلى أموال الشعب".
وكان قائد الجيش يشير إلى حملة توقيف عدد من كبار رجال الأعمال في الجزائر، بتهمة نهب المال العام والتورط في قضايا فساد، بينهم رجل الأعمال يسعد ربراب وعلي حداد، إضافة إلى منع أكثر من 400 من رجال الأعمال والمسؤولين على صلة بهم من مغادرة التراب الوطني.
وتفتح تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري الباب واسعاً أمام مواجهة سياسية محتملة بين القوى السياسية وقوى الحراك الشعبي، بسبب تمسكه بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في موعدها، ورفض مقترحات المعارضة بحل سياسي يؤدي إلى هيئة رئاسية، ودعمه لبن صالح ووقوفه وراء مقترحه عقد ندوة المشاورات السياسية، ودعمه لحكومة بدوي، بخلاف تصريحاته المطمئنة الأسبوع الماضي، والتي أعلن فيها قبوله بالحل السياسي.