قائد الجيش الجزائري يعلن بدء مرحلة التنازلات للتوافق على مخرجات دستورية

28 مايو 2019
قايد صالح جدد رفض المرحلة الانتقالية (فيسبوك)
+ الخط -
أعلن قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح عن دعوته إلى حوار وطني، وحث الأطراف والشخصيات الفاعلة على تقديم تنازلات لأجل التوصل إلى التوافق على مخرجات دستورية تؤدي إلى تحديد موعد جديد لانتخابات رئاسية بديلة عن انتخابات الرابع من يوليو/جزيران الملغاة، لكنه جدد رفضه السماح بدخول البلاد في مرحلة انتقالية برئاسة انتقالية، بسبب ما وصفها "مخاطر الانزلاق".

وقال قايد صالح، في خطاب الثلاثاء، الذي ألقاه هذه المرة من منطقة تمنراست أقصى جنوبي الجزائر، إن "الأولوية الآن وبكل إلحاح، هو أن يؤمن الجميع بأهمية المضي قدما نحو حوار مثمر يخرج بلادنا من هذه الفترة المعقدة نسبيا التي تعيشها اليوم، ويضمن بذلك الطريق نحو بلوغ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن"، مشددا على أن "الحوار يؤدي إلى الوفاق وإلى الاتفاق على حتمية الإجراء الضروري واللازم للانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، فلا مبرر إطلاقا في الاستمرار في تبديد الوقت وضياعه، فالوقت من ذهب لا مجال لاستنزافه في نقاشات عـقيمة بعيدة عن الحوار الحقيقي الصادق والبناء، فلا شيء مستحيل والجزائر في انتظار المخرج القانوني والدستوري الذي يقيها الوقوع في أي شكل من أشكال التأزيم".
وجدد قائد الأركان رفضه الذهاب مرحلة انتقالية، وقال إن "الحل يكمن في تنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن بعيدا عن الفترات الانتقالية التي لا تؤتمن عواقبها، فالجزائر لا يمكنها أن تتحمل المزيد من التأخير والمزيد من التسويف، فالحل بين أيدي الجزائريين الأوفياء لوطنهم، وهم من سيجد هذا الحل".


ويعد هذا الخطاب الأول لقائد الجيش بعد استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من يوليو المقبل، بعد مقاطعة سياسية شاملة، حيث لم يسلم أي من الشخصيات وقادة الأحزاب السياسية ملفات ترشحهم إلى المجلس الدستوري، برغم دعوات سابقة للجيش لتنظيمها في موعدها.

ودعا قائد الجيش إلى حوار "تتشارك فيه شخصيات ونخب وطنية تكون وفية للوطن ولمصلحته العليا المقدسة، على أن يكون حوارا يتسم بالصدق والموضوعية، ويتم خلاله تقدير الظروف التي تمر بها البلاد، والتنازل المتبادل من أجل الوطن"، مشيرا إلى أن هذا الخيار "يعد الطريقة التي يتم من خلالها محو الفوارق بين الآراء المختلفة، أو على الأقل تقليص المسافة في وجهات النظر المتباينة والمتباعدة"، مضيفا أن "الحوار يعني استعداد الجميع إلى الاستماع بل الإصغاء إلى الجميع بكل هدوء والتزام وتطلع مخلص نحو ضرورة وحتمية إيجاد الحلول المناسبة دون تأخير".

ولم يذكر قائد أركان الجيش الجهة التي ستدعو الى الحوار السياسي، والإطار الذي سيتم فيه، خاصة مع رفض رموز الحراك الشعبي وقوى المعارضة السياسية البارزة إجراء أي حوار مع أو تحت ظل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أو حكومة نور الدين بدوي، لكونهما من رموز نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. وسبق للقوى السياسية والشخصيات المستقلة أن قاطعت بشكل جماعي ندوة حوار سياسي عقدها رئيس الدولة بن صالح في 23 أبريل/نيسان الماضي.

وفي السياق، جدد قائد الجيش دعوته الشخصيات السياسية إلى طرح مبادرات تتضمن مخارج سياسية، وقال إن "الجزائر اليوم هي في انتظار كل جهد مخلص ووفي يصدر عن أبنائها، لا سيما منهم الشخصيات الوطنية ذات القدرة الفعلية على تقديم الإسهام الصائب الذي يكفل إيجاد الحلول المنتظرة والتي ستأتي وفي أقرب الآجال، وهم يقدمون اقتراحاتهم البناءة خدمة لما يستوجبه الواجب الوطني النبيل، وسيسجل التاريخ كل جهد أسهم في إيجاد المخرج السليم لأزمة الجزائر، فما خاب من سعى، شرط أن يكون السعي متسما بالإخلاص والصدق"، مشيرا إلى أن "خريطة طريق هذا الحوار سـتتجلى معالمها وتتضح أكثر من خلال جدية المبادرات، ومن خلال عقلانية طرحها، ومن خلال جدية التوجه نحو إيجاد الحلول الضرورية لهذه الأزمة المستفحلة، وذلك في أقرب الآجال ودون تأخير".


ودعا قائد الجيش مختلف الأطراف السياسية والمدنية إلى "التعقل" وتجاوز المواقف المتشددة لمنع تكرار أزمة التسعينيات، وقال "علينا كجزائريين أن نأخذ العبرة مما سبق من تجارب وما سبق من أحداث مأساوية غاب عنها العقل وكان الخاسر الوحيد، من جراء كل ذلك، هو الوطن لهذا فإننا نشدد الإلحاح على ضرورة شعور كافة الأطراف بالمسؤولية وأن تجعل من الحوار طوق النجاة للوطن''.

وأضاف في نفس السياق أن "الشعب الجزائري المدرك لأهمية الإسراع في بلوغ الحلول الملائمة لهذه الأزمة، لا يريد تكرار تجارب مريرة سابقة كان قد كابد ويلاتها وعانى من آثارها أشد المعاناة، إنه لا ينسى ولا يريد أن ينسى تلك الفترة الصعبة التي مر بها خلال التسعينيات".

وكان قايد صالح يشير إلى الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد في بداية التسعينات، بعد تدخل الجيش لتوقيف المسار الانتخابي في 12 يناير/كانون الثاني 1992، وبداية العنف السياسي الذي أدى إلى مقتل من بين 120 إلى 200 ألف قتيل، وإلى خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة.

وجدد قايد صالح التزام الجيش بالمرافقة اللصيقة للشعب حتى تحقيق كافة مطالبه، بقوله "كما أكدت مرارا وتكرارا، فإنني أجدد التأكيد اليوم بأن الجيش سيظل دوما وفيا لتعهداته في مرافقة الشعب الجزائري ومؤسسات الدولة وجهاز العدالة"، نافيا ان تكون لشخصه أو الجيش أية نوايا أومطامح سياسية "وهو موقف لن نحيد عنه أبدا"، وفق قوله.

وكان قائد الجيش يرد في هذا السياق على أصوات سياسية حذرت من تغول الجيش على سلطة القرار في البلاد، وزعمت أن قائد الجيش قد تكون له أطماع سياسية في تبوؤ منصب الرئاسة، وهو ما نفاه قائد الأركان الثلاثاء الماضي أيضا.
وحذر قايد صالح من مخاطر إقليمية تحيط بالمنطقة، ملمحا إلى وجود عيون دولية تترصد الجيش الجزائري، وتتوقع انخراطه في المستنقع السياسي، وقال "إننا ننظر إلى واقع الأزمة في بلادنا نظرة تأمل واقعية بل وعميقة من حيث الخلفيات والمرامي، ومن حيث التأثيرات القريبة والبعيدة على أمن الجزائر ومستقبله، فتحليلاتنا هي تحليلات موضوعية ومنطقية نعتمد فيها على فهم وإدراك تسلسل الأحداث وترابطها وعلى مجراها ومنتهى غايتها وأهدافها الأساسية، ونستعين في كل ذلك بنظرة إستراتيجية قوامها المعلومة الموثوقة بما يجري، والدراية بما قد يجري والتفحص العميق لكل جوانب هذه الأزمة المتعددة الأوجه والحيثيات".

وكانت تقارير إعلامية وتحليلات سياسية قد ذكرت أن باريس تراقب تطورات الوضع السياسي في الجزائر، وتترصد أية أخطاء سياسية يقوم بها الجيش، كالاستيلاء على السلطة أو إعلان حالة الطوارئ.
المساهمون