في موريتانيا الغناء معيبٌ اجتماعياً

11 نوفمبر 2014
لا يحبّذ الموريتانيون العمل في القطاع الفني (Getty)
+ الخط -
بالرغم من ارتفاع نسبة البطالة في موريتانيا، يصرّ المجتمع على فرض قيود على العمل في عدد من المهن أو الوظائف، على غرار نادل مطعم، أو الحرف كالحدادة والنجارة وصياغة الحلي، بالإضافة إلى العزف والغناء والتمثيل. وخلال بحثه عن عمل، يسعى الشباب للابتعاد عن المهن "غير المشرّفة اجتماعياً". حتى أن بعض هؤلاء يفضّلون الهجرة والعمل في المهن "الممنوعة" في الخارج.
يرى عدد من الباحثين الاجتماعيين أن الموريتانيين يفرضون "فيتو اجتماعياً" على بعض المهن لاعتبارات بالية وسيادة ثقافة "العيب". بعض المهن تُصنّف في مرتبة متدنية، بخاصة إذا كانت عائداتها منخفضة نسبياً. ويحذّر الخبراء الاقتصاديون من استمرار هذه النظرة الاجتماعية، مطالبين بالعمل على توعية المجتمع وتغيير مفاهيمه، للحد من البطالة.
في السياق، يقول يعقوب ولد المختار (27 عاماً)، وهو عاطل عن العمل، لـ "العربي الجديد"، إنه "لا يستطيع العمل في الوظائف أو المهن المتوفرة، بسبب نظرة المجتمع". يضيف "عثرت على وظائف عدة، منها سائق ورجل أمن ونادل في مطعم وحارس عقار وعامل نظافة، لكنني لم أستطع القبول بأي منها. أتمنى العثور على وظيفة يقبلها المجتمع وتلبي طموحي في الوقت نفسه".
من جهته، يلفت محمد ولد عبد الحي (31 عاماً) إلى أنه "لم يكن قادراً على انتظار الوظيفة الملائمة. فعمل سائق سيارة أجرة، بالرغم من أن المجتمع يعتبرها مهنة متدنية اجتماعياً". يقول إن "حاجته الملحة للعمل لتأمين مصاريف الأسرة دفعته للقبول بها. فالأسرة لن تنتظر الوظيفة الملائمة". يضيف "فقدت عملي السابق بسبب إفلاس الشركة. بحثت عن عمل طيلة سنتين، إلا أنني لم أعثر على ذلك العمل المناسب اجتماعياً. وحين عرض عليّ صديقي العمل كسائق لسيارة أجرة يملكها، قبلت مؤقتاً. ما زلت أخفي طبيعة عملي عن أسرتي باستثناء زوجتي. أستعمل اللثام أثناء العمل، وأتجنب الأحياء التي تقطنها عائلتي".
أما أحمد ولد الناجي (29 عاماً)، فلا يكترث للمحظورات الاجتماعية الخاصة بالمهن. ولا يرى فيها إلا معوقات تمنع الشباب من دخول سوق العمل. يعمل مدرباً في ناد رياضي، علماً أنه عادة ما تُحال هذه الوظائف إلى العمال الأجانب. يقول إن "المجتمع لا يشجع الشباب ولا يكترث لظروفهم النفسية والاجتماعية السيئة، ويفرض عليهم البحث عن وظائف غير متوفرة في السوق، وتشترط شهادات عليا وخبرات طويلة". ويطالب "بالتخلص من ثقافة العيب، وتوظيف العاطلين عن العمل في الكثير من المهن المحصورة بالعمال الأجانب، والتي يترفّع عنها الموريتانيون".

نظرة دونيّة
لا يرسل الموريتانيون أبنائهم إلى ورشات النجارة والحدادة والميكانيك، حتى لو كانوا فقراء أو اضطروا لترك المدرسة لسبب أو لآخر، بسبب النظرة الدونية لهذه الحرف. في المقابل، يعملون على تنمية موهبة البيع والشراء لديهم، ليصبحوا تجاراً في المستقبل. وتعد التجارة مصدر عيش كثير من الموريتانيين، باستثناء تجارة الحلي وصياغتها وإصلاحها، فهذه كانت في الماضي مهنة شريحة "لمعلمين" (الحرفيين).
في السياق، يقول آبه ولد مربيه (34 عاماً) إنه "ورث حرفة صياغة الحلي وإصلاحها عن والده وجده". هو سعيد وراض بعمله الذي لا ينافسه فيه الكثيرون بسبب نظرة المجتمع لهذه الحرفة. يؤكد أن "عمله شريف ولا غنى عنه. لذلك، لا يبالي بنظرة المجتمع، بخاصة أن وسطه العائلي يجلّ هذه الحرفة".
من جهته، يوضح الباحث الاجتماعي عبد الله ولد الشيخاني لـ "العربي الجديد" أن "ثقافة العيب هي إحدى أبرز تحديات البطالة في موريتانيا. فرفض المجتمع لبعض المهن أدى إلى زيادة نسبة البطالة بين الشباب"، مضيفاً أن "هذا يصب في مصلحة الأجانب الذين يقبلون بالوظائف المتدنية، كما يصنفها المجتمع".
ويقول الشيخاني إن "الكثير من الشباب يفضلون الهجرة والعمل في المهن والوظائف المنبوذة محلياً في الخارج". ويُشير إلى أنه "من حق كل شاب العمل في وطنه وكسب لقمة العيش التي تضمن له ولأسرته الحياة الكريمة من دون عوائق". يضيف "لا يمكننا أن نشترط وظيفة معينة، فيما نعاني من ضعف المؤهلات الدراسية وانعدام الخبرة. فغالباً ما تشترط الشركات مؤهّلات وخبرات معينة، وتفرض الخضوع لدورات تدريبية قبل التوظيف، عدا عن أنها تُنظّم مسابقات لاختيار الأفضل من بين المرشحين للوظيفة. وهذا لا يناسب حملة الشهادات المتدنية وغير المؤهلين". ويطالب "بإطلاق حملات التوعية، لتغيير هذه الثقافة".