في ملاهي الإرهاب

07 يناير 2017
+ الخط -
"لا يدري القاتل لما قَتَل ولا المقتول لما قُتِل".  أتساءل عن السبب الذي دفع إرهابيي إسطنبول إلى القيام بما قاموا به؟ عن الرسالة التي أرادوا إيصالها؟ وأفكر كثيراً في غايتهم وأهدافهم وما الذي حققوه من إزهاق 39 روحا بريئة، قررت أن تستقبل عاماً جديداً بالحب والفرح والاحتفالات. فكرت كثيراً، وتساءلت، هل حقق الإرهاب هدفه؟ما الذي حققه الإرهاب من حادثة ملهى أو مطعم إسطنبول؟ 

لحظة.. نعم.. هذا ما حققه الإرهاب، انقسامنا ما بين مؤيد ومعارض، انقسامنا ما بين لائم ومدافع. الزعزعة الداخلية التي وصلنا إليها، والتي لم نكن لنكتشفها دون أن يتدخّل الإرهاب. العقول غير السوية التي نكتشفها في ما بيننا مع كل حادثة إرهابوعدت بالتفكير إلى الوراء. ما هو هدف الإرهاب، ليس من هذه الحادثة فحسب، بل من الإرهاب بمجمله

الهدف بالتأكيد ليس إزهاق الأرواح وإنقاص البشرية. بل ربما يكون الهدف هو خلق وتعزيز نوع جديد من البشرية. نوع تسيطر عليه العنصرية والكراهية واللاإنسانية ويحكمه الشر والتعصب والتخلف. لطالما كنت وما زلت ضد نظرية المؤامرة. ضد أن نكون، نحن العرب أو المسلمين، الفئة المستهدفة أو المستغلَّة. أرفض أن نصف أنفسنا بالغباء أو الضعف أو حتى السذاجة. ولكنني أدرك أنه، مثلنا مثل أي شعب، يسكننا الشر، كما الخير يسكننا. فينا القوي وفينا الضعيف. فينا العقل وفينا الغباء. فينا الحب كما فينا الكراهيةالإرهاب ساعدنا على اكتشاف تلك العقول الدسيسة في ما بيننا


تلك العقول التي أوهمتنا بانتمائها لنا ولعروبتنا وديننا. واكتشفنا في ما بعد، بأنها عقول تسعى لتدميرنا وعرقلة وحدتنا. ولم نكن لنكتشف ذلك لولا الإرهاب. السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ساعد الإرهاب على خلق تلك العقول، أم فقط على اكتشافها. والإجابة من وجهة نظري غير مهمة. فسواء كانت هذه العقول موجودة من قبل أم لا، ليس بالأمر المهم. المهم أنها تعيش في ما بيننا. المهم أنهم موجودون حولنا وحول أطفالنا. والأهم، أننا لا نعرف هويتهم الحقيقية إلا مع أحداث الإرهاب. والإرهابيون الحقيقيون ليسوا فقط أولئك الذين يحملون أسلحتهم في وجوهنا. بل هم، أيضاً، أولئك الذين يطلقون ألسنتهم في أعراضنا، وأولئك الذين يشككون في ديننا أو وطنيتنا أو انتمائنا. ثلاثة إرهابيين أزهقوا 39 روحاً؟ ما بالنا بثلاثة آلاف إرهابي، على الأقل، أزهقوا أعراض 39 عائلة؟ الإرهاب يأتي على أشكال وألوان كثيرة ومختلفة


إرهابيون هم أولئك الذين يكفّرون هذا وذاك. إرهابيون هم أولئك الذين يوزعون بطاقات دخول الجنة والنار. إرهابيون هم أولئك الذين يعتقدون بأنهم خُلقِوا لتسيير البشرية وفق أهوائهم وأمزجتهمالإرهاب ليس فقط سفك الدماء وزهق الأرواح. الإرهاب الأكبر والأخطر، هو تلك العقول والأقلام التي تنشر الفساد وتحرض على الكراهية.يجب أن ننادي جميعاً بوضع عقوبات رادعة لجميع الإرهابيين بمختلف أنواعهم وألوانهم وألا نكتفي بمعاقبة القتلة وحملة الأسلحة والمتفجراتيجب أن نعي مخاطر الإرهاب كلها. وأن نقف صفاً واحداً، ونشكل حدة متينة قوية في وجه الإرهاب الفكري والديني والإنسانيأرجوكم، لا تقعوا في فخ الإرهاب هذه المرة. مطعم.. ملهى.. حديقة.. مكتب.. منزل.. شارع.. لا يهم، المهم أن القاتل لا يدري لما قتل، وأن المقتول لا يدري لما قُتِل.

‏‫

BF3FE132-8F28-45C1-BDE4-575FDB1B27B9
فرح جداوي

كاتبة سعوديّة تقول: "أكتب حين تستفزني الأحداث وتغتالني المشاعر وينتهكني الحزن".