في معنى الخيانة

04 مارس 2016
+ الخط -
نقلت جريدة "العربي الجديد" عن رئيس البرلمان المصري، علي عبد العال، قوله إن إسقاط عضوية النائب توفيق عكاشة، والتي تم التصويت عليها في البرلمان قبل يومين، لم تكن "لاستقباله السفير الإسرائيلي، ولكن لتصريحاته خلال اللقاء عن أمور تمس الأمن القومي المصري". نحن إذا إزاء اعتراف رسمي من رئيس السلطة التشريعية (افتراضاً!) في مصر بأن عكاشة تحدث عن "أمور تمس الأمن القومي المصري" في جلسة في منزله استضاف فيها السفير الإسرائيلي في مصر حاييم كورين، وهو ما لا يحمل سوى معنى واحد، هو الخيانة العظمى التي تقتضي المحاكمة الفورية.
بيد أن المسكوت عنه في "مسألة عكاشة" ليس ما ذكره رئيس البرلمان عن الأمن القومي المصري، وإنما حالة الصراع الطاحنة بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية، والتي أصبحت طقساً يومياً وملمحا رئيسيا لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي. فعكاشة هو "الابن الشرعي" لهذه الأجهزة، وأحد أهم أذرعها الإعلامية التي لعبت دوراً مهماً في كل مراحل الانقلاب على ثورة يناير. فمن الواضح أن عكاشة تجاوز الخطوط الحمراء في انتقاده السيسي في المرحلة الماضية، عندما انتقده أكثر من مرة تصريحاً وتلميحاً. ويبدو أن عكاشة كان يطمع في الحصول على جزء أكبر من كعكة الانقلاب، باعتباره، كما يسمي نفسه "مفجر ثورة 30 يونيو" التي أوصلت السيسي إلى السلطة، لكنه فشل في ذلك، ما دفعه إلى الانقلاب على الجنرال. ويبدو أن عكاشة شعر بقدر من التجاهل السياسي من حليفه السابق، الجنرال السيسي، فحاول أن يلفت انتباهه إلى أن في وسعه إحداث المتاعب له ولنظامه. ولكن، يبدو أن "السحر انقلب على الساحر"، وخسر عكاشة مقعده البرلماني.
لذا، لم يكن غريباً أن تتسابق الأذرع الإعلامية المخابراتية في الهجوم على عكاشة وتشويهه، تمهيداً لذبحه سياسياً في البرلمان. وذلك كله لم يكن نتيجة استقباله السفير الإسرائيلي، فكثير ممن يعملون في هذه الأذرع الإعلامية لا يعتبرون إسرائيل عدواً، بل صديقاً وحليفا مهماً، وإنما نتيجة تجرئه على السيسي، وتهديده بفضح مزيد من الأسرار عن الدعم الإسرائيلي له، ومساهمة هذا الدعم في وصوله إلى السلطة. كما لم يكن غريباً أن يقوم كثير من زملاء النائب عكاشة في البرلمان بالتصويت على إسقاط عضويته بعد مهاجمة السيسي. وكثير منهم ينتمي لائتلاف "دعم مصر" الذي شكلته الأجهزة الاستخباراتية داخل البرلمان، كما أشرنا في مقالات سابقة.
ومن المفارقات أنه تتم معاقبة عكاشة عن علاقته بإسرائيل، في حين أن نظام السيسي غارق، حتي أذنيه، في علاقة تحالف استراتيجي مع تل أبيب، باعترافات كثيرين من قادة الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن الدعوات الكثيرة إلى توسيع دائرة التطبيع، لكي تشمل الثقافة والرياضة والاقتصاد. كما يسعى السيسي، بكل الطرق، إلى استرضاء الإسرائيليين، ويتحدث مع نتنياهو مرتين في الشهر على الأقل، بحسب ما نشرت صحف إسرائيلية أخيراً. ويعلم السيسي أن رضى واشنطن هو من رضى إسرائيل. لذا، هو حريص على تعميق علاقته بتل أبيب والعمل على تحقيق مصالحها من دون خجل أو مواربة. بكلمات أخرى، تستوجب محاسبة عكاشة على التطبيع مع إسرائيل، بالتبعية، محاسبة رئيسه وجنراله عن علاقاته الحميمية مع نتنياهو. وهو قطعاً ما لا يجرؤ أحد على القيام به، أو المطالبة بتحقيقه، على غرار ما فعلوا مع عكاشة.
وفي وقت تتم فيه محاكمة كثيرين من قادة "الإخوان المسلمين"، ومنهم الرئيس المعزول، محمد مرسي، بتهمة التخابر مع المقاومة الفلسطينية، فإنه لا توجد أي دعاوى لمحاكمة عكاشة أو السيسي على خيانتهما الواضحة من خلال التطبيع الكامل مع العدو الإسرائيلي.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".