في مديح العاصفة.. و"جنرال الثلج"

07 يناير 2015
ثلوج لبنان (جوزف عيد/AFP/Getty)
+ الخط -

جميلة هي العاصفة. لطيفة أخبارها وسط دفق الأخبار الدموية التي تلاحقنا منذ سنوات. أيقظت فينا الثلوج حنينا إلى الدفء، وأيقظت مشاعر دفنها كثيرون منّا. التعاطف. الإحساس بالآخرين. الشفقة. المراجعة. التفكير بمن لا يملكون ثمن بطانية. بمن يحلمون بفراش دافىء. بمن لا يعرفون معنى "الحمّام الساخن" في طقس كهذا. 

جميلة هي العاصفة. أنستنا أنّنا مليئون بالكراهية. أفرغت منّا مخازن الحقد. افتحوا التلفزيونات، والراديوهات، والفيسبوك والتويتر، ستجدون معظم الذين كانوا ينضحون كراهية وحقداً يكتبون وينشرون ويصوّرون كما لو أنّهم "خارج" زمن الحقد العربي المديد.

سنجد صُوَرَ الثلوج، والمدافىء، أو صور الأطفال السوريين الذين يتجمّدون من البرد، أو يكادون. كلمات دافئة من كلّ حدب وصوب. غضب نعم، لكنّه غضبٌ مليء بالحبّ. حبّ الأطفال والنساء والرجال الذين يحتاجون إلى من يغضب لأجلهم. 

أخبار "داعش" تراجعت إلى ما دون الصفر. كأن لا معارك، لا في سورية ولا في فلسطين ولا في لبنان ولا في العراق ولا في اليمن... على ما يبدو أنّ السياسة في بلادنا مرتبطة بالحرارة.

نحن شعوب "حامية" إذا اشتدّت الحرارة، و"باردة" إذا هبّت العواصف. كلّما بردنا وتناقصت درجات الحرارة تبرد همم المقاتلين، فينكفئون إلى المغاور أو إلى بيوتهم.

"جنرال الثلج" له الكلمة العليا في هذه الأيّام. أسكت الأصوات العالية. جنرال لطيف ورقيق. جعلنا نفكّر فقط في الأطفال اللاجئين على حدود سورية الطويلة والكثيرة، من الأردن إلى تركيا ولبنان والعراق...

يخطر هنا أنّ البلاد الباردة نادراً ما تشهد حروباً. البرد يجعل الناس أكثر هدوءا. والبلاد الحارّة تجعل الرؤوس حامية. ونحن، في البلاد المعتدلة، حائرون بين الهدوء والحروب.

وبعد العاصفة الثلجية بتنا مشغولين بأخبار "هدى" و"زينة". ولا بأس إذا اختلفنا على اسم العاصفة، لكنّنا متّفقون على نتائجها والأضرار التي خلّفتها. فيتسابق بعضنا غلى نشر صور الثلوج، وبعضنا الآخر على نشر صور أطفال سوريين لاجئين. وآخرون يفكّرون في "الدولة" التي لم تصلح طريقاً هنا، أو تركت حفرة هناك.

تذكّرنا "الدولة" إذا، في سنوات انهيار الدول، وسقوط فكرة "الدولة" العربية بشكل عام. فقد جعلتنا العاصفة نشعر كم أنّنا ضعفاء. كم أنّ كلّ واحد منّا صغير، وحده. صغير في منطقته. صغير في مذهبه. صغير في بلده حتّى.

تخبرنا العاصفة أنّ ساعة واحدة قد تغيّر بلادا إلى الأبد. وأنّنا نحتاج إلى جهود الملايين كي نواجه عاصفة واحدة. ولا أعرف إذا كان إنسانياً أن نتمنّى موت المقاتلين كلّهم، في الجبال والسهول، علّنا نرتاح. أو ربّما نتمنّى أن تجعلهم العاصفة يفكّرون بأطفالهم وأطفال الآخرين، الذين يقتلونهم.

جميلة هي العاصفة. أخذتنا إلى أماكن كدنا ننساها في أعماقنا. جعلتنا نتذكّر أن لا شيء يستأهل كلّ هذا الحقد والتعصّب. أنّ الموت خلف الباب. تحت عاصفة، أو فوق طلقة. وأنّه أحياناً يكفي أن نجد مكاناً دافئا، حضناً أو بيتا، وبعض الطعام، كي نعرف السعادة، وكي نتأكّد أنّها لا تستلزم كلّ هذه الدماء.

دلالات
المساهمون