في مديح الظلال

09 ابريل 2015
إل سيد / تونس
+ الخط -

لأكثر من سبب أشعرُ دائماً أمام العمائر الحديثة على الشواطئ العربية بضيق لا يبدو مفهوماً؛ هي أشكالٌ من مسطحات زجاجية وألواح معدنية، تتلولب أو تتمايل أو تندفع عالية في الفضاء، وهي عشرات، وربما مئات الثقوب، المسماة نوافذ أو شرفات لا يطل منها أحد، وهي رغم لمعانها لا توحي بأنها جزء عضوي من محيطها، أعني من النخيل والرمال والقباب والمآذن وأفنية البيوت التي تزحم الذاكرة.

إنها، بعبارة مختصرة، خارج تاريخنا وأفيائنا، بل وتخرج أساليبها المعمارية - محو الزوايا الظليلة وإسقاط الضوء مباشرة على الواجهات - كل جمال ورثناه في عمائرنا التقليدية من التداول والذاكرة.

ينبهنا الياباني جنشيرو تانيزاكي، في مديحه للظلال، إلى أننا نحن الشرقيين لو اخترعنا وسائل الإضاءة الحديثة، لاتخذت أشكالاً مختلفة، ولما طردت سحر الظلال ومعناها من بيوتنا ومُختلياتنا. أي لما أصبحت أماكننا مجرد فراغات خاوية.

أفكّر بالخسائر الجمالية التي حلّت بالمساجد الإسلامية حين بدأت الأضواء الحديثة تمحو ظلال قاعات الصلاة فيها، والخسائر التي أصابت خاناً عتيقاً للمسافرين حين تغلغلت الأضواء الكهربائية في أرجائه، وأفكر؛ كم كان ممتعاً لو ظللتنا سدرة أبو العلاء المعري، أي لو احترمنا ظلالنا ومعمارنا، وظل لنا إدراكنا للحركة لا جمود أبراج الزجاج اللولبية.

دلالات
المساهمون