30 اغسطس 2018
في مآلات تمدّد هيئة تحرير الشام
لا تعتبر استراتيجية "التمدّد" على حساب قوى المعارضة والثورة السورية جديدة على حركية هيئة تحرير الشام؛ فلطالما لجأت إليها لتحسين تموضعها العسكري، عبر الاستيلاء على أسلحة نوعية (حركة حزم مثالاً)؛ أو لتحسين التموضع الاقتصادي والإداري، عبر السعي الحثيث إلى السيطرة على أهم القطاعات الخدمية أو التجارية كالمعابر (الدولية والمحلية) ومحطات التوليد الكهربائي وغيرها (اقتتالها مع حركة أحرار الشام وبعض فصائل الجيش الحر)؛ وها هي لجأت إليها في معاركها أخيرا ضد حركة نور الدين الزنكي في محافظة إدلب؛ وذلك لتعزيز الأسباب آنفة الذكر جميعاً مضافاً إليها تحسين الشروط السياسية؛ إذ تعتقد الهيئة أن إحكام سيطرتها المطلقة على إدلب وما حولها خطوة استباقية تنهي بها صيغ توازع السلطة في تلك المنطقة، سواء بالحرب أو بالترحيل؛ وسيجعلها في دائرةٍ "أقوى" في مواجهة ما يخطّط حيالها دولياً ومحلياً، سيما مع وضوح خيارات الفصائل المسلحة التي لم يعد أمامها (وفقاً لعدة مبررات، لعل أكثرها إلحاحاً تفاهمات أستانة) سوى خيار الترتيب لمواجهةٍ عسكريةٍ ضد هيئة تحرير الشام، وهو ما عملت على استباقه بعملية عسكرية، تمكّنها من قضم الفصائل تباعاً قبل توصلهم إلى صيغ وترتيبات مشتركة ضدها.
يعتبر تمدّد هيئة التحرير الشام أخيرا بمثابة "الانتقال الاستراتيجي" إلى مراحل متقدمة في التمكين المحلي، خصوصا مع تعدّد المؤشرات الدالة على إعادة التفاهم الدولي بشأن إدلب بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن انسحاب القوة الأميركية من سورية، وما سيمليه من إعادة الاتفاق بشأن إدلب ضمن محور أستانة، وهو ما يجعل، في كل الأحوال، مستقبل "الهيئة" أمام سيناريوهاتٍ لا تمتلك فيها شروط تفاوض بحكم قلة الخيارات المتاحة لها؛ وهذا ما سيتيحه لها تمدّدها أخيرا، ناهيك عن مركزة قرار تلك المنطقة بيدها؛ فهي، من جهة أولى، ستعزّز شروطها في أي مفاوضاتٍ محتملةٍ في حال لجوء الفواعل الدولية والإقليمية إلى خيار المفاوضات والتباحث حول صيغ ما دون عسكرية. ومن جهةٍ ثانيةٍ، سيجعلها صاحبة القرار الأوحد في الجانب التخطيطي والتكتيكي، في حال اللجوء إلى خيارات عسكرية.
من جهة أخرى، ليس هذا التمدّد كما يسوّق له "نتاج رغبة دولية"، وإنْ تقاطعت أهدافها
النهائية مع تلك الرغبة والمتمثلة في تعجيل عودة إدلب إلى النظام عبر حجّة "هيئة تحرير الشام"؛ إذ إن ما حدث يؤكد أنها رغبة ذاتية لـ "الهيئة" نابعةٌ من إدراكها صعوبة خياراتها المستقبلية، وضرورة تحسين تموضعها العسكري والإداري والأمني.
لعل السؤال الأبرز: ماذا بعد هذا التمدّد؟ ما هي مآلات إدلب والهيئة؟ ولمناقشة ذلك؛ فإننا هنا أمام مستويين من التحليل والاستشراف؛ واحد مرتبط بمخيال الهيئة ذاتها؛ وآخر مرتبط بالسيناريوهات العامة المتوقعة، ولا سيما في شقه المتعلق بموقف الفواعل الدولية والإقليمية المحتملة.
من حيث المستوى المرتبط بخيارات الهيئة، ووفقاً لبراغماتيتها الشديدة، يُتوقع أن تطمح الهيئة إلى تحويل سيطرتها العسكرية إلى سيطرة مدنيةٍ وإدارية وسياسيةٍ بلبوس جديد؛ شكلي لا يغير المضمون؛ عبر مرحلتين: انتقالية تديرها وتهيئ لها "حكومة الإنقاذ"؛ متبنية عدة برامج، منها ما يتعلق بإعادة التشكيل السياسي والعسكري والمدني وفق صيغ تبدو شكلاً أكثر تشاركيةً، وهي ضمناً أكثر شمولية وتسلطا؛ ومرحلة نهائية يختفي فيها اسم هيئة تحرير الشام لصالح اسم جديد وفاعلية جديدة.
تعترض هذا السيناريو المحتمل عدة عوارض، منها ما يتعلق بالرفض المجتمعي لمشروع الهيئة، أيا كان مسمّاها، خصوصا في ظل توقع مآلات المنطقة بعد سيطرتها عليها، وما تستتبعه من كوارث محتملة، سيما على الصعيد الإنساني. والعارض الثاني مرتبط "نظرياً" بسيناريو الاستنزاف الذي سيفرض نفسه في حال تم التوافق الكامل ما بين الفصائل في كل المناطق المحرّرة على مواجهة الهيئة. ناهيك عن العارض الأساس، والمرتبط بالمستوى الثاني، وما ستفرضه السيناريوهات العامة، جرّاء المواقف الدولية والإقليمية، والتي تدلّ على أن اتجاهها العام عسكري بحت، وينحصر في أمرين: المواجهة الدولية لهذا التمدّد إن حدثت، ستكون عبر مظلةٍ، إما عبر اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "إدلب ما بعد الهيئة"، وهو ما لم تتوفر شروطه بعد؛ أو عبر مظلة أستانة التي يُتوقع أن تكون أكثر فاعليةً في حال كان الانسحاب الأميركي سياسيا وعسكريا. وستكون بدايةً على شكل مواجهة جزئية، تستهدف السيطرة (سلماً أو حرباً) على الطرق الرئيسية، أو عملية شاملة تستوجب مدداً زمنية طويلة وعدة استراتيجيات؛ ناهيك عن سيناريو المواجهة مع الروسي وحلفائه المحليين المدعومين من إيران، إلا أن السيناريو العسكري عامةً لا يزال يملك الأسباب الدافعة نفسها لعدم وقوعه؛ وفي مقدمة تلك الأسباب "موجات النزوح المتوقعة وارتداداتها؛ ناهيك عن احتمال الانتقال من المشهد العسكري "المنضبط" إلى التأزّم والتدحرج إلى عودة الاستنزاف العسكري الذي جهدت تفاهمات أستانة للتخفيف من كلفته وحجمه.
ولعل اختبار الموقف التركي هو الأكثر تحت الأضواء في هذه الأثناء. أما عن الموقف التركي حيال تمدّد هيئة تحرير الشام، ووصوله إلى مناطق سيطرة حلفائها، فهو يُقرأ من جهتين؛ سياسية وعسكرية. أما السياسية فهي تريد أن يكون تدخلها العسكري نتاج تفاهم تركي – أميركي، وما يعنيه من تقويضٍ محتمل لخيارات قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتغييراً في تموضعها العسكري والأمني في الخريطة السورية؛ ونتاج تفاهم تركي – روسي ضمن تفاهمات أستانة التي ستشهد إعادة تعريفٍ لغاياتها، ريثما يتضح شكل الانسحاب العسكري الأميركي ومدلولاته.
أما من حيث الجهة العسكرية؛ وفي ظل المعطيات الراهنة؛ فإن ما حدث يعد خلافاً لرؤيتها
لتفكيك الهيئة التي كانت قائمة (وفقاً لحركيتها) على ثلاث ركائز. الأولى التوافق مع اتفاق المنطقة العازلة، ثم تفكيك بنيتها عبر عزل الجانب الأجنبي عن السوري، ثم محاصرة خياراتها وضربها عسكرياً؛ إلا أن ما تم سيعجّل من مؤشرات انزلاقها العسكري في إدلب، واحتمال انتقالها إلى مستويات مواجهة متعدّدة، بحكم الفواعل المنتشرة حول إدلب، أو بحكم النقاش الذي سيتبع التدخل بشأن مستقبل المنطقة. وهو ما سيتطلب منها درس خيارات أخرى.
ووفقاً لأعلاه، تتراوح السيناريوهات المحتملة لهذا التمدّد ما بين احتمال ضئيل لحصول اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "إدلب ما بعد الهيئة"؛ وما بين المواجهة الجزئية مع النظام مدعومةً بالقوات الروسية أو الإيرانية للسيطرة على طريقين رئيسيين، أو إعادة تعويم قوى المعارضة، والدخول في معركة استنزاف طويلة. أو سيناريو "التجاهل المرحلي"، والذي "وهنا الخطورة" أن يتمدّد إلى مرحلة تطبيع وتكيف، وبالتالي يجعل من الهيئة أو نيو هيئة (وفقاً لاستراتيجية الانتقال الخاصة بها) فاعلاً رئيسياً في المشهدين، السياسي والأمني.
ما بين التمدّد والسيناريوهات المحتملة؛ تبرز ثورياً عدة معطيات، أبرزها الضعف البنيوي والوظيفي الذي يعتري فصائل المعارضة المسلحة (الإسلامية والثورية)؛ وأن الاستعصاءات التي تضعها أمام مشاريع إعادة التكوين والبناء العسكري الوطني كلفتهم خسارات استراتيجية تصعّب من عودتهم إلى مسرح الفاعلية، وتجعل من امتلاكهم قدرة تعزيز هوامش الحركة قدرة صفرية. وعلى الرغم من سريالية الطرح الآتي إلا أنه بات ضرورة وجودية، وهو الانخراط، بالمعنى السياسي، في لحظة إعادة البناء والتكوين مع باقي الفواعل الثورية، من دون شروط.
يعتبر تمدّد هيئة التحرير الشام أخيرا بمثابة "الانتقال الاستراتيجي" إلى مراحل متقدمة في التمكين المحلي، خصوصا مع تعدّد المؤشرات الدالة على إعادة التفاهم الدولي بشأن إدلب بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن انسحاب القوة الأميركية من سورية، وما سيمليه من إعادة الاتفاق بشأن إدلب ضمن محور أستانة، وهو ما يجعل، في كل الأحوال، مستقبل "الهيئة" أمام سيناريوهاتٍ لا تمتلك فيها شروط تفاوض بحكم قلة الخيارات المتاحة لها؛ وهذا ما سيتيحه لها تمدّدها أخيرا، ناهيك عن مركزة قرار تلك المنطقة بيدها؛ فهي، من جهة أولى، ستعزّز شروطها في أي مفاوضاتٍ محتملةٍ في حال لجوء الفواعل الدولية والإقليمية إلى خيار المفاوضات والتباحث حول صيغ ما دون عسكرية. ومن جهةٍ ثانيةٍ، سيجعلها صاحبة القرار الأوحد في الجانب التخطيطي والتكتيكي، في حال اللجوء إلى خيارات عسكرية.
من جهة أخرى، ليس هذا التمدّد كما يسوّق له "نتاج رغبة دولية"، وإنْ تقاطعت أهدافها
لعل السؤال الأبرز: ماذا بعد هذا التمدّد؟ ما هي مآلات إدلب والهيئة؟ ولمناقشة ذلك؛ فإننا هنا أمام مستويين من التحليل والاستشراف؛ واحد مرتبط بمخيال الهيئة ذاتها؛ وآخر مرتبط بالسيناريوهات العامة المتوقعة، ولا سيما في شقه المتعلق بموقف الفواعل الدولية والإقليمية المحتملة.
من حيث المستوى المرتبط بخيارات الهيئة، ووفقاً لبراغماتيتها الشديدة، يُتوقع أن تطمح الهيئة إلى تحويل سيطرتها العسكرية إلى سيطرة مدنيةٍ وإدارية وسياسيةٍ بلبوس جديد؛ شكلي لا يغير المضمون؛ عبر مرحلتين: انتقالية تديرها وتهيئ لها "حكومة الإنقاذ"؛ متبنية عدة برامج، منها ما يتعلق بإعادة التشكيل السياسي والعسكري والمدني وفق صيغ تبدو شكلاً أكثر تشاركيةً، وهي ضمناً أكثر شمولية وتسلطا؛ ومرحلة نهائية يختفي فيها اسم هيئة تحرير الشام لصالح اسم جديد وفاعلية جديدة.
تعترض هذا السيناريو المحتمل عدة عوارض، منها ما يتعلق بالرفض المجتمعي لمشروع الهيئة، أيا كان مسمّاها، خصوصا في ظل توقع مآلات المنطقة بعد سيطرتها عليها، وما تستتبعه من كوارث محتملة، سيما على الصعيد الإنساني. والعارض الثاني مرتبط "نظرياً" بسيناريو الاستنزاف الذي سيفرض نفسه في حال تم التوافق الكامل ما بين الفصائل في كل المناطق المحرّرة على مواجهة الهيئة. ناهيك عن العارض الأساس، والمرتبط بالمستوى الثاني، وما ستفرضه السيناريوهات العامة، جرّاء المواقف الدولية والإقليمية، والتي تدلّ على أن اتجاهها العام عسكري بحت، وينحصر في أمرين: المواجهة الدولية لهذا التمدّد إن حدثت، ستكون عبر مظلةٍ، إما عبر اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "إدلب ما بعد الهيئة"، وهو ما لم تتوفر شروطه بعد؛ أو عبر مظلة أستانة التي يُتوقع أن تكون أكثر فاعليةً في حال كان الانسحاب الأميركي سياسيا وعسكريا. وستكون بدايةً على شكل مواجهة جزئية، تستهدف السيطرة (سلماً أو حرباً) على الطرق الرئيسية، أو عملية شاملة تستوجب مدداً زمنية طويلة وعدة استراتيجيات؛ ناهيك عن سيناريو المواجهة مع الروسي وحلفائه المحليين المدعومين من إيران، إلا أن السيناريو العسكري عامةً لا يزال يملك الأسباب الدافعة نفسها لعدم وقوعه؛ وفي مقدمة تلك الأسباب "موجات النزوح المتوقعة وارتداداتها؛ ناهيك عن احتمال الانتقال من المشهد العسكري "المنضبط" إلى التأزّم والتدحرج إلى عودة الاستنزاف العسكري الذي جهدت تفاهمات أستانة للتخفيف من كلفته وحجمه.
ولعل اختبار الموقف التركي هو الأكثر تحت الأضواء في هذه الأثناء. أما عن الموقف التركي حيال تمدّد هيئة تحرير الشام، ووصوله إلى مناطق سيطرة حلفائها، فهو يُقرأ من جهتين؛ سياسية وعسكرية. أما السياسية فهي تريد أن يكون تدخلها العسكري نتاج تفاهم تركي – أميركي، وما يعنيه من تقويضٍ محتمل لخيارات قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتغييراً في تموضعها العسكري والأمني في الخريطة السورية؛ ونتاج تفاهم تركي – روسي ضمن تفاهمات أستانة التي ستشهد إعادة تعريفٍ لغاياتها، ريثما يتضح شكل الانسحاب العسكري الأميركي ومدلولاته.
أما من حيث الجهة العسكرية؛ وفي ظل المعطيات الراهنة؛ فإن ما حدث يعد خلافاً لرؤيتها
ووفقاً لأعلاه، تتراوح السيناريوهات المحتملة لهذا التمدّد ما بين احتمال ضئيل لحصول اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "إدلب ما بعد الهيئة"؛ وما بين المواجهة الجزئية مع النظام مدعومةً بالقوات الروسية أو الإيرانية للسيطرة على طريقين رئيسيين، أو إعادة تعويم قوى المعارضة، والدخول في معركة استنزاف طويلة. أو سيناريو "التجاهل المرحلي"، والذي "وهنا الخطورة" أن يتمدّد إلى مرحلة تطبيع وتكيف، وبالتالي يجعل من الهيئة أو نيو هيئة (وفقاً لاستراتيجية الانتقال الخاصة بها) فاعلاً رئيسياً في المشهدين، السياسي والأمني.
ما بين التمدّد والسيناريوهات المحتملة؛ تبرز ثورياً عدة معطيات، أبرزها الضعف البنيوي والوظيفي الذي يعتري فصائل المعارضة المسلحة (الإسلامية والثورية)؛ وأن الاستعصاءات التي تضعها أمام مشاريع إعادة التكوين والبناء العسكري الوطني كلفتهم خسارات استراتيجية تصعّب من عودتهم إلى مسرح الفاعلية، وتجعل من امتلاكهم قدرة تعزيز هوامش الحركة قدرة صفرية. وعلى الرغم من سريالية الطرح الآتي إلا أنه بات ضرورة وجودية، وهو الانخراط، بالمعنى السياسي، في لحظة إعادة البناء والتكوين مع باقي الفواعل الثورية، من دون شروط.