في كل أزمة فرصة

16 اغسطس 2017
+ الخط -
صور الأمير في كل مكان.. على زجاج السيارات، وفي الشوارع، وعلى واجهات المحلات في كبرى مراكز التسوق، وتحتها مكتوب: "تميم المجد". الأغاني الوطنية تملأ الجو حماساً، ومعها يزداد القلق من حصار الأشقاء، وسؤال واحد يردّده القطريون: متى ينتهي هذا الحصار؟ ومتى يرجع العقل إلى خليجٍ تدقّ فيه طبول الحرب في صيف ساخن؟ حركة المسافرين في المطار خفّت، وازدادت حركات الدبلوماسيين، غير أن هذا الأسطول الجوي القطري يزوّد البلاد بما تحتاجه، لكن بأسعار أكبر، هي كلفة الشحن، لكن الدولة تقول إنها قادرة على الصمود، وإنها يومياً تربح مساحة تعاطفٍ أكبر، فيما يخسر خصومها قضيةً لا يمكن الدفاع عنها.
هكذا يبدو المشهد من الدوحة التي زرتها قبل أسبوعين للمشاركة في مؤتمر كبير بعنوان المرحلة: "حرية التعبير نحو مواجهة المخاطر". المواجهة المقصودة لائحة مطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر بإقفال قناة الجزيرة وتسريح جنود الكلمة منها، لأن علبة الكبريت لم تعد تطاق في منطقة تتنفس الاستبداد، وتريد أن تصدّره إلى دول الجوار العربي، ولا تحتمل جيباً صغيراً، مثل الدوحة، يقيم قناة تلفزيونية مزعجة… حضر ممثلو أكثر من 200 منظمة وجمعية وجامعة معنية بحرية الصحافة، والحق في الوصول إلى المعلومات، كلهم يعلنون رفضهم مطلب إغلاق "الجزيرة"، ويعلنون أن الحل ليس في إخراس صوت الإعلام، بل في مزيد من الحرية والانفتاح.
"لنتصوّر أن الاتحاد الأوروبي طالب رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، بإغلاق تلفزيون بي بي سي". يشرح صحافي "الأندبندنت" للجمهور الإنكليزي الذي يسأل عمّ يحدث في الخليج بين الإخوة الأعداء… وجد ممثل منظمة الدفاع عن الصحافيين حلاً بسيطاً لوجع الرأس الذي تشعر به عواصم دول الحصار من إعلام قطر، فقال: "يجب تحييد وسائل الإعلام في الصراعات الدولية والحروب الدبلوماسية. أعرف أن هناك من يقبل ومن يرفض خط تحرير قناة الجزيرة. لكن، اتركوا الحكم للريموت كونترول.. إنه جهاز فعال في يد كل مشاهد، ونتائجه مجرّبة.. إذا لم تعجبهم الجزيرة، سيبحثون عن أخبار في قنوات أخرى".
لم تكن منظمة هيومن رايتس ووتش، الحاضرة في المؤتمر الذي نظمته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، مهادنة، حيث قال ممثلها: نحن نتضامن مع "الجزيرة" ومع قطر. الحصار البري والجوي والبحري لا يمكن قبوله من أحد، لأن له تداعيات خطيرة على حقوق الإنسان. لكن لا بد من القول إن في كل أزمة هناك فرصة، والفرصة سانحة اليوم أمام الدوحة لتصير نموذجاً في الخليج لاحترام حقوق الإنسان، وبناء دولة المؤسسات. وأعطى ممثل المنظمة الحقوقية العالمية أمثلة عن خروق قطر حقوق الإنسان والإعلام، منها: "التضييق على حرية الإعلام المحلي بسن قوانين فضفاضة، وسجن صحافي من "الدوحة نيوز"، وإقفال موقع الدوحة نيت وورك، وعدم إعطاء الجنسية لأطفال المرأة القطرية المتزوجة من أجنبي، وعدم فتح مكتب للمفوضية الأممية للاجئين، وعدم التوقيع على اتفاقية جنيف لسنة 1951 التي تلزم الدول باستقبال اللاجئين وحمايتهم.. سمع رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، علي بن صميخ المري، هذه الانتقادات، ودوّنها أمامه، واستمر اللقاء على إيقاع التضامن مع قطر، وحثها على التقدم في درب بناء دولة المؤسسات وحقوق الإنسان والتعدّدية السياسية والنقابية، والحق في الإضراب.
سألت أحد العارفين بمجريات الأزمة، فقال: القطريون يشتغلون سياسياً ودبلوماسياً وكأن الحصار سيزول غداً، ويشتغلون اقتصادياً وكأن الحصار باقٍ إلى الأبد… هذا هو عنوان الاستراتيجية القطرية التي تتحرّك على محاور عدة، لإعادة بناء تحالفات جديدة، تحمي قرارها السيادي، وتحمي نظامها من عدوان الجيران.. ثم سألته: هل من حلول وسطى للأزمة؟ فأجاب: لكل أزمة حل، لكن في ظل التزامات مشتركة، وليس في ظل إملاءات من طرف واحد. أصبح الرأي العام القطري والدولي طرفاً في هذه الأزمة، ولا يمكن لقطر، مهما اشتد الحصار حولها، أن ترضخ لمطالب غير معقولة.
تعتبر أبوظبي والسعودية والبحرين ومصر أن الربيع العربي انتهى، وأن قطر الدولة الوحيدة التي تنفخ في جمره، وأن ردعها بحصار شامل، وربما بانقلاب قصر ناعم أو خشن، يحل المشكلة، ويفتح الطريق لرجوع حليمة العربية إلى عادتها السلطوية القديمة. الأمور أعقد من هذه الصورة المبسطة.. ما ينتج التوترات الاجتماعية والمطالب السياسية والغضب الاقتصادي في العالم العربي الفساد والاستبداد، وليس 400 ألف قطري يعيشون في دولة مساحتها 11 ألف كيلومتر مربع.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.