في فكرة "الدولة الواحدة" .. النظرية
قد يعتقد بعضهم أن رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، أول من فكر في خطة الدولة الواحدة ثنائية القومية في فلسطين. وفي الولايات المتحدة وبين الجالية اليهودية هناك من يعتقد أن المفكر الصهيوني الليبرالي، بيتر بينارت، هو أول من ابتكر الفكرة. وللحقيقة، الشعب الفلسطيني، كما جاء في الميثاق الوطني الفلسطيني، كان قد طرح فكرة الدولة العلمانية الديمقراطية. وعبر السنوات الماضية، كان للبروفيسور الفلسطيني، سرّي نسيبة، مداخلة مهمة في أثناء تدريسه مادة المنطق، عندما تساءل: ماذا لو تطوع فلسطينيون في جيش الدفاع الإسرائيلي؟ ونشر الكاتب الأميركي الفلسطيني، علي أبو نعمة، كتابا عام 2006 بعنوان "دولة واحدة: خطة طموحة لحل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي". وفي فلسطين، كان لحركات متواضعة، شارك فيها نشطاء مثل راضي الجراعي وعوض عبد الفتاح وآخرون، دورا مهما في نشر أدبيات وأفكار تتمحور حول المبدأ نفسه. وقد اصطدمت كل تلك الأفكار بحائط إسمنتي من رفض إسرائيلي ويهودي، ومعارضة فلسطينية ولو أقل شراسة.
المفكر الصهيوني الليبرالي، بيتر بينارت، أول من ابتكر فكرة الدولة ثنائية القومية في فلسطين
وقد زاد النقاش بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة بين الطلبة الجامعيين، وخصوصا في الخارج. ولقي رواجا كبيرا على بعض شبكات التواصل الاجتماعي، وفي عدة مناطق، منها قطاع غزة، حيث يواصل شباب في مجموعات فكرية مناقشة الفكرة، ومحاولة معرفة قابليتها للتطبيق. وفي خطابٍ له في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "أنا مع حل الدولتين، فقط ضمن القرارات الدولية، ولا أريد دولة واحدة أو نصف دولة"، غير أن نجل الرئيس عباس، كما أبناء عديدين من القيادات الفلسطينية وأحفادهم، يعتقدون أن فكرة حل الدولتين أصبحت غير قابلة للحياة. ولذلك يجب التركيز على المساواة الكاملة ضمن حل الدولة الواحدة، حيث قد يحل ذلك مشكلات صعبة الحل، مثل القدس والاستيطان وحرية التنقل، وغيرها من المشكلات المستعصية، بسبب حالة الجمود.
وكما سلف، يرفض الإسرائيليون، بنسبة كبيرة جدا، أي حلٍّ يقلل من وجود دولة إسرائيل ذات غالبية يهودية. يحاول الكاتب اليهودي الأميركي، بيتر بينارت، معالجة تلك المعارضة بقوله إنه يؤيد وجود بيت لليهود، وليس بالضرورة دولة يهودية. ويجد بينارت، وغيره من الصهاينة الليبراليين، أنفسهم في حيرة، حيث لم يعد ممكنا إخفاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، وضع نضال السود في أميركا ضد التمييز الليبراليين في مأزق، حيث يطالبهم الأميركيون، من أصل أفريقي، بمواقف ضد الاحتلال، شرطا لانضمامهم، وقبولهم في النضال معهم ضد التمييز العنصري من الأغلبية البيضاء في الولايات المتحدة.
لم يُحدث بينارت وعمر الرزاز، وكذلك رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، سلام فياض، في مقال له نشره أخيرا، أي تغيير في الرأي العام الإسرائيلي الذي لا يزال يتراوح بين اليمين المتطرّف ويمين الوسط اللذين يطالبان بضم مناطق فلسطينية، من دون التفكير بما سيؤدي ذلك من شرعنة دائمة لعنصرية الدولة التي ترتكب مخالفة "الأبارتايد" التي اعتبرها القانون الإنساني العالمي جريمة حرب.
الرأي العام الإسرائيلي يراوح بين اليمين المتطرّف ويمين الوسط اللذين يطالبان بضم مناطق فلسطينية
يصبّ النقاش إذا في عدة خيارات، فاستمرار الوضع الحالي مرفوض، في حين أن ضم الأراضي الفلسطينية "الرسمي"، أو "غير الرسمي" بالاستيطان، أدّى إلى إضعافٍ كبير في فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، تشمل القدس، وفي توفر حلول لموضوع اللاجئين. وفي الجانب الآخر، كان حل الدولة الواحدة لا يزال بعيد المنال، ما دام هناك غيابٌ لتقبله إسرائيل، وعدم وجود أي اهتمام من دول العالم به.
أنعشت محاولة إسرائيل الفاشلة (إلى الآن) ضم أراض فلسطينية النقاش السياسي، ووفرت الأوكسجين الضروري لعودة الحياة إلى الحوار بشأن سبل حل القضية الفلسطينية. والدول الغربية (باستثناء السويد) مطالبة الآن، أكثر من أي وقت سابق، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا كانت مؤمنة حقا في حل الدولتين. أما توفير الدعم اللفظي لذلك، من دون تحرّك جاد من خلال اعتراف القسم المتضرر من حل الدولتين (الشعب الفلسطيني)، فذلك لن يقنع أحدا بأن أوروبا (وغيرها) مؤمنة بحل الدولتين.
في حال قيام دولة فلسطينية مستقلة، متوقع أن يبدأ الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، بالتفكير الجدي، من منطلق حر ومستقل بأفضل الحلول للدمج في دولة واحدة
تفصلنا عدة أشهر عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإذا صدقت التوقعات بخسارة الرئيس ترامب، فإن الوقت قد يكون مناسبا آنذاك لإعلان هزيمة الرؤية الترامبية المسماة صفقة القرن، ولكن ذلك لن يكفي. على الشعب الفلسطيني وأصدقائه العمل الحثيث من أجل الهدف المرجو له، وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة، والعمل الحثيث على تحقيق هذا المطلب من خلال النضال الشعبي السلمي والعمل الدبلوماسي والتضامن العالمي. وفي حال قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر ممكن في المرحلة الحالية، من الممكن، بل من المتوقع، أن يبدأ الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، بالتفكير الجدي، من منطلق حر ومستقل بأفضل الحلول للدمج في دولة واحدة، أو كونفدرالية تضمن المساواة الكاملة. قد يكون الحديث والتفكير النظري في حل الدولة الواحدة مهما، ولكن ذلك من الصعب تحويله إلى سياسات وآليات يمكن تطبيقها على الأرض في المديين، القصير والمتوسط، في حين أن من الممكن أن يكون ذلك في المدى البعيد. ولكن المطلوب حالا، وبدون أي تأخير، هو إنهاء حالة الأمر الواقع، والمشكل باستمرار احتلال غاشم وظالم، وبعد ذلك يمكن الحديث عن حلول طويلة الأمد.