لكن أحمد، ورغم كثرة الناس من حوله هذا الصباح، فإنه كان يشعر بالوحدة، فابتسامة أمه غابت، ولم يسمع كلمات تعزز ثقته بنفسه من أبيه، وأيضا لم يأخذ مصروفه الذي يفضله، وكأنه ذهب وحيدا إلى صفه المدرسي في مدرسة سُميت منذ نحو عام، باسم شقيقه الطفل الرضيع الشهيد علي دوابشة.
تحاول عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، أن تعوض أحمد دوابشة (6 أعوام) عن رحيل والديه الذين غُيبا قسرا بعدما استشهدا إثر حرق منزلهما في القرية على يد مستوطنين متطرفين في 31 يوليو/ تموز من العام الماضي، حينها استشهد شقيقه الأصغر علي على الفور، وأصيب والده سعد وأمه ريهام بحروق بليغة، استشهدا بعد معاناة منها.
منذ أسبوع، وعدد من عائلة الطفل أحمد يهيئون ظروفا وطقوسا لتشجيعه على الذهاب إلى المدرسة بعزيمة قوية ودون تردد، كي يبدأ خطوته الأولى التي من خلالها سيبني مستقبله الذي انتهكه الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يولد، بحسب ما قاله نصر دوابشة عم الطفل أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد".
ويضيف: "جلبنا لأحمد حقيبة ودفاتر، وأقلاماً وكراسة وألواناً، وملابس مدرسية، وكل ما يلزمه ليكون جاهزا صبيحة هذا اليوم للتوجه إلى "مدرسة الشهيد علي دوابشة"، وكنا نخشى تلك اللحظة التي سنجهزه للخروج إلى مدرسته، مخافة أن تسألنا عيناه عن أبويه".
كان النعاس يغالبه صبيحة اليوم، ومزاجه غير سعيد في البداية، سيما أنه أصر أن يرتدي قميصا معينا طلب من الموجودين إحضاره ولم يجدوه، إلى أن أقنعه عمه نصر بارتداء قميص آخر كي يلحق الطابور الصباحي في المدرسة، واعدا إياه بشراء غيره في أقرب وقت.
ويعتقد دوابشة أن أحمد كان يلمح غياب أبويه، ويشعر بذلك، ويقول: "كنا نجهزه مع أطفالنا، ونجعلهم يستعدون للذهاب إلى المدرسة سوية، إلا أن نظرات أحمد كانت تشعرنا بفقد والديه، الذي من المفترض أن يكونا هنا ليرافقاه إلى باب المدرسة، وهما من يهيئان له طريقه نحو العلم والمستقبل النيّر".
لم يتكلم أحمد عن غياب والديه، وربما لم يعِ ذلك جيدا بعد، إلا أن مثل هذه المشاهد والمواقف، تُشعر بالفقدان والنقص. يشير عمه إلى أن عددا من أفراد العائلة رافقوه إلى المدرسة، وكي يتشجع أكثر، ذهب بسيارته الكهربائية إلى المدرسة، وكان سعيدا جدا بذلك، وعندما دخل صفه فرح أكثر، مع زملائه وأصدقائه من أبناء القرية.
ولفت دوابشة إلى أن أحمد ما زال يتلقى العلاج لإزالة الحروق التي أصابته في كامل أنحاء جسده، ويخضع كل اثنين لجلسة علاج في المستشفى، حيث يتم حرق جلده بالليزر، لبناء جلد جديد، ثم إجراء عمليات تجميل لإزالة الآثار التي خلفها الحريق، مشيرا إلى أنه سيستغرق سنوات في العلاج.
وتسعى العائلة لجعل أحمد يعتمد على نفسه، من أجل بناء شخصية قوية واكتساب ثقة عالية بالنفس، لا أن ينتظر من الآخرين تقديم المساعدة له، ويشير أيضا عمه دوابشة إلى أنهم يحاولون تجنب تمييزه عن الأطفال في صفه، "فاليوم الأول كان تشجيعا له، ولكن في الأيام القادمة سيذهب إلى المدرسة لوحده دون مرافقة العائلة، وسنكون دائمي الحرص عليه حتى يكبر".