في سمات السجال السياسي المصري

24 مايو 2015

عمل للفنان الفلسطيني أسامة دياب

+ الخط -
لو أراد أحدنا أن يجمل ويكثف السمات الأساسية للسجال السياسي المصري حاليا، والممتد منذ تنحّي حسني مبارك، فإنه سيلجأ لرصد وسائل الإعلام وقراءة المواد الإعلامية ومقالات الرأي، ويتابع، أيضاً، حسابات كثيرة على "السوشال ميديا"، وحسابات جماعات وتيارات، وحسابات شخصيات عامة، وناشطين وثوريين وصحافيين، وسيحتاج إلى متابعة طويلة للظهور الإعلامي للشخصيات ذات الصخب، وتلك الناطقة بأسماء جماعات أو معبرة عنه، وسينفق وقتا طويلاً في متابعة الشاشات المصرية، وإن غفل عن شيء فسيجده مقتطعا جاهزا مركّزا يملأ الفضاء الإلكتروني ويتداوله الجميع. 
كل المهتمين بالشأن المصري، وهم أحيانا العرب بعمومهم، فمصر شأن الجميع كما يبدو، كل هؤلاء المهتمين يرصدون هذه المساحات الكاشفة للسجال السياسي المصري. وفي أحيان كثيرة، تُفرض عليهم المشاهدة المستمرة، نظرا للطفرة الفائقة في إخراج مواد إعلامية موضوعها الحالة المصرية، ونظرا للنشاط الهائل للمصريين عبر "السوشال ميديا" وفي الإعلام بمختلف مساحاته. ويمكن أن يخرج المرء بجملة نتائج عن هذه الحالة، وتبدأ كانطباعات، ثم تتحول إلى افتراضات، ثم وتحت ضغط الشواهد والتكرار تتحول إلى قناعات، ويمكن لأحدنا أن يقول إن هذه الحالة تتسم بكذا وكذا.
من سمات السجال السياسي المصري المنقول إلى متابع عربي، أنه مشغول بالمناكفة، فعلاً بحد ذاته، أي أن جزءا كبيرا من السجال يصرف لمناكفة الخصوم، وتشويه طروحاتهم وتوجهاتهم، بصرف النظر إن كان هذا الفعل يؤسس لمكاسب سياسية، ويبرز هذا في تبادل المناكفة حول سيرة رجل مات في المعتقل مع شراكة المتناكفين في الخضوع لشروط السجّان نفسه. وتبرز عبثية المناكفة هذه، حين يُغلق المجال السياسي وتمنع الانتخابات، بمعنى أن المناكفة قد تكون مفيدة في جولة دعاية انتخابية، وتستهدف جمهوراً، بغية تغيير وجهات نظره، إلا أنها اليوم مجرد استهلاك جهود مضن، وشاهدٌ يبرزه النظام في كل لحظة، ليدلل على هشاشة خصومه وبدائله.
يُضاف إلى ذلك أن المساجلين سياسيون مهووسون بإثبات تمايزهم عن الآخرين، حتى في المواضع التي يسيرون فيها مسارا توافقيا، واللافت أن الآخرين الذين ينشغل المساجلون بإثبات التمايز معهم هم الفئات الأكثر قابلية لبناء مشروع مشترك، أي أنهم أكثر من يشبهونهم في موقفهم من القضايا المركزية. وغياب مساحات للقاء المباشر والاحتكاك المستمر سبب رئيس في تعزز الفوارق والهوس بها.
يُضاف إلى ذلك، أيضاً، أن المنخرطين في السجال السياسي مهووسون بإثبات صوابية مواقف وآراء في الماضي لا تحمل أي قيمة سياسية اليوم. وهذه واضحة تماماً في حفلات نبش ماضي التصريحات والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن تكون هنالك أي قدرة على تحويل تلك الصوابية إلى أي شيء غير مادة للمناكفة. وغالباً، ما ترتبط هذه الحالة بادعاءات تفوق أخلاقي، كأن مجرد هذا التفوق قابل للتحول لمشروع سياسي.
ومع هذا كله، لا يبدو أن المنشغلين بهذا السجال يضعون في حسبانهم إمكانية أن تكون هنالك إدارة واعية ومخططة لهذا السجال، وتظل تذكّيه بما يزيد اشتعاله في كل مرحلة. ومجرد نفي هذا الاحتمال ينم عن جدّة على السجال السياسي في مراحل التوتر والاضطراب، وعدم إدراك حقيقة السلطة وأدواتها في مصر. يكفي أن يراقب المرء توقيت نشر التسريبات وإذاعتها، ومن المستفيد في النهاية من حفلات المناكفة والتشهير.

اللافت، هنا، أن هذه السمات مخترِقة لفئات من المفترض أنها متمايزة، فهي تتشابه عند الشباب الناشط، والشباب المهتم بالشأن العام، وكذلك عند الصحفيين وأصحاب الرأي، ثم عند المسيّسين والمنتمين لأحزاب وجماعات، وأخيراً، عند السياسيين أنفسهم. ويمكن أن يجازف المرء، ويقول إن انعدام الفوارق في شكل السجال السياسي ومحدداته بين كل هؤلاء جميعا، هي السمة الأهم.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين