في رحيل سينمائيين: هوس وتجاهل عربيان

11 يوليو 2016
(كياروستامي)
+ الخط -

في أقلّ من 48 ساعة، يُعلن عن رحيل مخرجَين سينمائيَين، لكلّ واحد منهما سطوته على المشهد الدولي، بأسلوب مختلف، ورؤية خاصّة بالعالم والناس والبيئات الاجتماعية والحياتية.

أول الراحِلين، الأميركي مايكل تشيمينو (3 فبراير/شباط 1939 ـ 2 يوليو/تموز 2016). ثانيهما، الإيرانيّ عباس كياروستامي (22 يونيو/حزيران 1940 ـ 4 يوليو/تموز 2016).

في فترة زمنية قصيرة، يُغادران العالم، بعد تخلّي الأول عن الكاميرا السينمائية منذ أعوام مديدة، وبعد "انبهار" الثاني باختباراتٍ سينمائية شتّى خارج بلده وعالمه السينمائيّ، وإنْ لم يرض عن تلك الاختبارات كثيراً.

لن تتعلّق الكتابة عنهما، مجدّداً، بأسلوبيهما وعوالمهما وأسئلتهما وهواجسهما وحياتيهما. لن تتناول أياً من أفلامهما، أو مجموع نتاجاتهما. فالمسألة مختلفة، إذْ يُلحّ سؤالٌ مرتبطٌ بكيفية تعاطي كثيرين في العالم العربي مع الرحيلين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ("فيسبوك" تحديداً)، أو عبر الصحافة والإعلام.

المُفاجئ، بالنسبة إلى نقّاد محترفين، كامنٌ في كثرة التعليقات والمقالات، المتنوّعة الأشكال والمضامين، الخاصّة برحيل الإيرانيّ كياروستامي، وندرة تلك المعنية برحيل الأميركي تشيمينو. "هوسٌ" لا يُصدَّق إزاء غياب الأول، و"جهلٌ"، أو ما يُشبهه، بخصوص وفاة الثاني.

صحيحٌ أن مخرج "صائد الغزلان" (1978) و"باب الجنّة" (1980) مبتعدٌ، منذ 20 عاماً، عن بلاتوهات التصوير. وصحيحٌ أن سيرته السينمائية غير منفلشةٍ في خارطة الجماهير، وأن اشتغالاته المتنوّعة تبقى محصورة بالمعنيين الفعليين بالفنّ السابع، عربياً على الأقلّ؛ إلاّ أن تشيمينو يُعتبر أحد أبرز المخرجين الأميركيين، المُشاركين في صناعة تجديد بصري وجمالي وفني في السينما الأميركية، وفي انتقاد الإدارة الأميركية لحربها في فيتنام، إذْ يعتبر نقّادٌ وباحثون سينمائيون أن "صائد الغزلان"، "هو" أول فيلم أميركي انتقاديّ، لاذعٍ وذكيّ وماهرٍ في صنعته، يتناول الحرب تلك، ويُصبح "المُفتتح" السينمائيّ لسلسلة أفلام، لن تكون أقل قسوة في نقدها نفسه، أو أقلّ براعة سينمائية وجمالية منه.

هذا ـ إذْ يؤكّد المكانة المهمّة لمايكل تشيمينو في المشهد السينمائيّ الدولي، نقدياً على الأقلّ، وإنْ بتفاوت في القراءات الجدّية المعنية بأفلامه، وخارج أسوار "الجماهير" ـ يتناقض والموقع الدولي "الشعبي" لعباس كياروستامي، من دون التقليل من أهميته الإبداعية والإنسانية والبصرية، في غالبية أفلامه، التي يتجاوز عدد الروائيّ الطويل منها، مجمل النتاج الروائي لتشيمينو.

فهل ينبع "هوس" الـ"فيسبوكيين"، ومعظم الصحافيين والإعلاميين، بكياروستامي، من كونه إيرانياً، يعرفه الغرب بفضل "أين منزل صديقي؟" (1987)، فيُكرّمه ويحتضنه، ويُفرد مكاناً كبيراً له في المشهد الدولي؟ هل يتأتّى الاهتمام العربيّ برحيله من اعتبارات سياسية بحتة، هي جزءٌ من انشقاق واضح في الصراعات القائمة داخل لبنان مثلاً؟ هل مردّه زيارات عديدة يقوم بها مخرج "وتستمرّ الحياة" (1991) إلى بيروت مثلاً؟

ربما. لكن كلاماً كهذا لن يحول دون متعة مُشاهدة سينما كياروستامي، لأنه يطرح تساؤلات عن علاقة العالم العربي بالسينما والسينمائيين، وعن كيفية تعامله مع رحيل كبار منهم.


دلالات
المساهمون